شهدت سياسات حكومة كوريا الجنوبية تجاه الشطر الشمالي تغيرات مستمرة منذ الهدنة التي أوقفت الحرب الكورية قبل ٦٥ عاما. ولا شيء يعكس هذه التغيرات بشكل أكثر وضوحا، وأحيانا بشكل أكثر استشرافا، من منتجات الثقافة الشعبية وخصوصا الأفلام.
" فيلم " شيري( "٩٩٩١)من إخراج " غانغ جي-غيو
فيلم " سر ّ ي وعظيم( "٣١٠٢) من إخراج " جانغ تشول-سو
فيلم " المنطقة األمنية المشتركة( "٠٠٠٢)من إخراج " باك تشان-ووك "
فيلم " تاي غوك غي؛ األخوة خالل الحرب( "٤٠٠٢)من إخراج " غانغ جي-غيو
فيلم " مرحبا بكم في دونغ ماك غول( "٥٠٠٢) من إخراج " باك غوانغ-هيون
فيلم " برلين( "٢١٠٢)من إخراج " ريو سونغ-وان "
يتعاون العميالن من الجنوب والشمال على تجاوز الحدود األيديولوجية إليقاف الحرب النووية وسط محاولة االنقالب في كوريا الشمالية.
ينقسم تاريخ الأفلام الكورية إلى مرحلتين ما قبل فيلم «شيري» وما بعده. وبما أن هذا الفيلم يُعتبر أول إنتاج كبير في تاريخ السينما الكورية، فإنه سجل رقما قياسيا من حيث حجم الميزانية البالغ ٣.١ مليار وون كوري ومن حيث عدد المشاهدين الذي بلغ ٥.٨٢ مليون مشاهد في جميع أنحاء البلاد و٢.٤٥ مليون مشاهد في سيول وحدها. وقبل عام ١٩٩٩ حيث حقق فيلم شيري هذا الرقم القياسي، لم يكن ثمّة فيلم جذب مليون مشاهد في سيول إلا فيلم «سوبيونجي» الموسيقي الذي صدر عام ١٩٩٣.
ويشير نجاح فيلم «شيري» الذي أخرجه «غانغ جي-غيو» إلى وجود الطلب على الأفلام المحلية العالية الميزانية. وشجع نجاحه على إنتاج أفلام ذات ميزانية كبيرة على نمط أفلام هوليوود وحرك عجلة النمو لصناعة الأفلام الكورية.
إذن، لماذا حقق فيلم «شيري» نجاحا تجاريا كبيرا؟ باختصار، لإنه صور بجرأة علاقات الكوريتين التي شهدت تغيرات في ذلك الوقت، حيث يُعد أول فيلم كوري كبير يتناول المسألة الحساسة المتعلقة بكيفية إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية.
مواضيع جديدة لبداية جديدة
يدل اسم الفيلم «شيري» على نوع من السمك يعيش في مياه النهر الذي يربط بين الكوريتين. وهو فيلم أكشن مثير حول خطة جواسيس الخلايا النائمة التابعة لكوريا الشمالية التي أرهبت كوريا الجنوبية مدة ست سنوات. وتدور قصة الفيلم حول قاتلة شمالية من أخطر عملاء كوريا الشمالية تعمل ضمن خلية سرية تقع في حب عدوها الرئيس.
في ذروة الفيلم، تُوجت مساعي الدبلوماسية الرياضية بين الكوريتين بعقد مباراة كرة القدم بحضور زعيمي الكوريتين، حيث خططت الخلايا النائمة الشمالية لتفجير ملعب كرة القدم لتعكير أجواء المصالحة. ويرمز التزامهم القوي بإسقاط السلطة في كوريا الجنوبية إلى التوتر والعداوة التي لا تزال قائمة في شبه الجزيرة الكورية. يختتم الفيلم بمعركة عنيفة بالأسلحة النارية حيث تأكدت عضوة هذه الخلية النائمة هي وحبيبها من حب بعضهما بعضا في وسط سفك الدماء. ويعرض فيلم «شيري» وجهة نظر بديلة تجاه الكوريين الشماليين، وهي أنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الكوري وليس عدوا.
اقتربت الأحلام التي كانت تراود الكوريين بانتهاء الحرب الباردة من التحقق في السنوات التالية، حيث زار الرئيس الكوري الجنوبي «كيم داي-جونغ» كوريا الشمالية للقاء نظيره «كيم جونغ-إيل». وكانت تلك أول قمة تجمع بين رئيسي الكوريتين منذ تقسيم كوريا عام ١٩٤٥. وأدى هذا الحدث التاريخي في عام ٢٠٠٠ إلى تغيرات جذرية في المناخ الدبلوماسي والسياسي.
وبعد ثلاث سنوات، اجتاح فيلم «المنطقة الأمنية المشتركة» دور السينما جاذبا ٢.٥١ مليون مشاهد في سيول وحدها. ومن الواضح أن الفيلم استفاد من أجواء التفاؤل التي بثتها القمة التاريخية. ويتمحور الفيلم حول حادثة تبادل إطلاق النار بين الجنود الجنوبيين والشماليين في «بان مون جوم «، وهو اسم المنطقة التي تمثل رمزا للتوتر بين الكوريتين. وفي الفيلم، أصاب الذهول المحققين في الحادثة لاكتشاف التواصل السري واللقاءات الودية والطيبة بين الجانبين قبل حدوث إطلاق النار. ويروي الفيلم للمشاهدين إمكانية أن تكون درجة التوتر في المنطقة المنزوعة السلاح أقل من التوقع العام على الرغم من أنها تُعتبر المنطقة الأكثر سخونة وتوترا في العالم.
يجمع فريق من الجواسيس معلومات استخبارية عن قدرة الدفاع لدى كوريا الشمالية قبل إجراء عملية اإلنزال في إنتشون، وهي عملية برمائية قامت بها قوات األمم المتحدة في سبتمبر عام ٠٥٩١ وحولت اتجاه الحرب الكورية.
مستوحى من األحداث الحقيقية، يروي الفيلم قصة وحدة المنبوذين اجتماعيا الذين تم تدريبهم الغتيال الزعيم الكوري الشمالي " كيم إيل-سونغ."وكان الفيلم أول فيلم كوري جذب أكثر من ٠١ ماليين مشاهد.
التوسع في الموضوع
بعد عام ٢٠٠٠، بدأت الشركات السينمائية الكورية تقدم الحرب الكورية موضوعا للأفلام الكبرى. وقد طرأت تغيرات كثيرة على طريقة تصوير الموضوع مع التأكيد على العداء ضد الشيوعية وعرض مناظر الحرب من خلال إبراز مشاعر الشخصيات وأفكارها وعلاقاتها. وحققت سلسلة من الأفلام الكبرى نجاحا منقطع النظير. في حين، ورثت حكومة الرئيس «روه مو-هيون» الليبرالي «سياسة ضوء الشمس» التي تؤكد على التعاون والمصالحة مع كوريا الشمالية من حكومة سلفه، الرئيس «كيم داي-جونغ».
في عام ٢٠٠٣، جذب فيلم «سيلميدو» ١١ مليون مشاهد فاتحا عصرا جديدا يُسمى «عصر عشرة ملايين مشاهد» في تاريخ صناعة الأفلام الكورية. وسلط الفيلم الذي استوحى أحداثه من قصة حقيقية الضوء على انقسام الرأي حول كيفية التعامل مع قضايا الكوريتين.
وفي أبريل عام ١٩٦٨، تشكلت وحدة من المنبوذين اجتماعيا، وفيهم مجرمون، لاغتيال «كيم إيل-سونغ» الزعيم الكوري الشمالي. وقام هذا المشروع ردا على محاولة كوريا الشمالية الفاشلة لاغتيال الرئيس الكوري الجنوبي في مقر إقامته في وقت سابق. وخضعت الوحدة المسماة بوحدة ٦٨٤ للتدريب القاسي في جزيرة «سيلمي» قبالة ساحل إنتشون. لكن، تم إلغاء المشروع بسبب التحسن في العلاقات بين الكوريتين. وفي أغسطس عام ١٩٧١، قتل أفراد الوحدة حراسهم وفروا من الجزيرة واختطفوا حافلة للذهاب إلى سيول. ولقي معظمهم حتفهم أثناء تبادل إطلاق النار مع جنود من الجيش. صور فيلم «سيلميدو» الذي أخرجه «كانغ وو-سوك» أفراد الوحدة كبيادق في الصراعات داخل الحكومة الجنوبية بشأن السياسات تجاه كوريا الشمالية فضلا عن وصف موتهم بأنه نتيجة لعمليات التستر التي قامت بها الحكومة. وبطبيعة الحال لم يكن أحدًا من الجمهور على علم بوجود وحدة ٦٨٤ قبل عرض الفيلم.
وفي العام التالي، حطم فيلم «تاي غوك غي؛ الأخوة خلال الحرب» الذي أخرجه «كانغ جاي-غيو» الرقم القياسي الذي سجله فيلم «سيلميدو» بجذب حوالي ١٢ مليون مشاهد. وتشير قصة الشقيقين في الفيلم إلى دور الحرب المأساوية في تدمير عائلة عادية في كوريا الجنوبية. وتعرض أحداث الفيلم كيف يتحول الأخ الصغير إلى شخص قاس يشعر بالإحباط بسبب المعارك العنيفة. وفي نهاية الفيلم، يلتقي الشقيقان وسط المعركة ويوجه كل منهما سلاحه نحو أخيه. وخلافا للأفلام السابقة التي تصف دائما الجنود الكوريين الشماليين بـ»الأعداء الشيوعيين»، حاول هذا الفيلم تصوير الجنود الشماليين شبابا عاديين مثل الجنود الجنوبيين، وهم بالفعل إخوة. نجحت هذه المحاولة، وأثار الفيلم مشاعر المشاهدين.
في عام ٢٠٠٥، صدر فيلم «مرحبا بكم في دونغ ماك غول» الذي يؤكد على مبدأ الإنسانية خلال الحرب. ويروي الفيلم قصة قرية جبلية نائية باسم «دونغ ماك غول»، وهي منعزلة عن العالم لدرجة أن سكانها لا يعلمون شيئا عن اندلاع الحرب. وخلال الحرب، تستقبل القرية جنودا كوريين جنوبيين وشماليين فضلا عن طيار أمريكي. وبعد تدمير مخزونات الأغذية للقرويين بالخطأ، يشعر الجنود، ومن منطلق إنساني، بأنه واجبهم الإنساني يحتّم عليهم دعم القرويين لكي يستطيعوا أن يتحملوا برد الشتاء القارس بعد تدمير مخزوناتهم الغذائية. ومع مرور الوقت، تتراجع الكراهية بينهم ويعتبرون بعضهم أصدقاء بعض وليسوا أعداء. وحظي الفيلم بإقبال شديد نظرا لموضوعه وأصالته غير المسبوقة. وأثبت أنه حتى الأفلام الخيالية الكوميدية يمكن أن تتناول الموضوع المؤلم وتترك انطباعا طيبا لدى المشاهدين. ونجح هذا الفيلم في كسر ما كان يعدّ من شبه المحرمات.
بعد عام ٢٠٠٠، بدأت الشركات السينمائية الكورية تقدم الحرب الكورية موضوعا للأفلام الكبرى. وقد طرأت تغيرات كثيرة على طريقة تصوير الموضوع مع التأكيد على العداء للشيوعية وعرض مناظر الحرب من خلال إبراز مشاعر الشخصيات وأفكارها وعلاقاتها. وحققت الأفلام الكبرى نجاحا منقطع النظير.
الأفلام التجارية
شهد عام ٢٠١٠ تغيرات سياسية بعد تولي «لي ميونغ-باك» منصب رئاسة الجمهورية، الذي اتخذ موقفا متشددا من كوريا الشمالية بسبب مواصلتها تطوير الأسلحة النووية خلال ولاية الرئيس «كيم داي-جونغ» والرئيس «روه مو-هيون»، فتخلت حكومة الرئيس «لي» عن «سياسة ضوء الشمس». ولم يُنتج خلال هذه الفترة إلا عدد قليل من الأفلام التي تهدف إلى تقديم الرسائل الإيديولوجية أو الفلسفية نحو المصالحة، وأصبح النجاح التجاري محل اهتمام صناعة السينما. كما أن الأفلام في ذلك الوقت عكست موقف الرئيس «لي» المتشدد، وهو مدير تنفيذي سابق في شركة وصف نفسه باسم «الرئيس الاقتصادي».
وفيلم «غدا أفضل» الذي عُرض عام ٢٠١٠ مأخوذ اسمه الإنجليزي من فيلم هونغ كونغ الكلاسيكي الذي عُرض عام 1986 وأخرجه «جون وو»، لكن اسم الفيلم باللغة الكورية هو «مو جوك جا» ويعني لا يمكن لأحد أن يغلبه، أو شخصا لا يحمل جنسية. هذا الفيلم، «غدا أفضل» نوع من أفلام الاكشن قائم على الصور النمطية لكوريا الشمالية حتى أنه يصف الكوريين الشماليين الفارين من بلادهم بالآلات القاتلة.
ولعل فيلم «٧١؛ في النار» يمثل خير تمثيل الاستغلال التجاري للحرب الكورية في الأفلام السينمائية. ويتمحور هذا الفيلم حول معركة نهر «ناك دونغ» التي تُعتبر من المعارك الأكثر دموية في الحرب واُستخدمت بشكل متكرر موضوعا للأفلام المعادية للشيوعية. ومع أن فيلم «٧١؛ في النار» لا يُصنف ضمن الأفلام المعادية للشيوعية لكنه لا يُعد من الأفلام المناهضة للحرب أيضا. بل، صور الفيلم مشاهد الحرب من الناحية التجارية بنجاح.
وخلال ولاية الرئيس «لي»، لم تتناول الأفلام قضايا الكوريتين بشكل جدي إلا في فيلم «الخط الأمامي» الذي صور الصراعات المستمرة بين الجنود الجنوبيين والشماليين للسيطرة على الهضاب الاستراتيجية. ويرمز النجاح القصير الأمد الذي يحققه الجانبان بالتناوب إلى عبثية الحرب وعدم جدواها.
لقد كان العملاء السريون نجوما في الأفلام المتعلقة بكوريا الشمالية عام ٢٠١٣، حين تولت الرئيسة «باك غون-هيه» من حزب المحافظين منصب الرئاسة. ولم يكن من المتوقع أن تنتهج حكومة الرئيسة «باك» سياسة أكثر نعومة تجاه كوريا الشمالية لأنها ابنة «باك جونغ-هي» الرئيس الكوري الجنوبي في ذروة الحرب الباردة الذي كان مستهدفا في خطة هجوم المغاوير لكوريا الشمالية عام ١٩٦٨ التي أدت إلى تدريب وحدة ٦٨٤ في جزيرة «سيلمي».
وقد سجل عدد المشاهدين لفيلم «برلين» وفيلم «سرّيّ وعظيم» ٧.٢ مليون مشاهد و٦.٩٦ مليون مشاهد على التوالي. وحقق هذان الفيلمان نجاحا تجاريا لأنهما واكبا الاتجاهات العصرية في الصناعة السينمائية. ويتناول فيلم «برلين» المواجهة بين الجواسيس الكوريين الجنوبيين والشماليين الذين يؤدون مهامهم في برلين. أما فيلم «سرّيّ وعظيم» فإنه فيلم كوميدي تدور قصته حول مجموعة من الجواسيس الوسيمين من كوريا الشمالية الذين نسيتهم حكومة بلادهم وأصبحوا أبطالا خارقين في الشطر الجنوبي. وحظي هذا الفيلم القائم على الكرتون المشهور الذي نُشر على الإنترنت بإقبال كبير.
بالنسبة لكبار السن الكوريين فإن كلمة «جاسوس كوري شمالي» تعني لهم عميلا مسلحا مثل «كيم سين-جو» الذي تورط في محاولة الاغتيال الفاشلة عام ١٩٦٨. لكن، فيلم «سرّيّ وعظيم» يشير إلى التحوّل في مفهوم «الجاسوس» عند الشباب الكوريين الجنوبيين الذين يتصورون الجواسيس الشماليين أبطالا خارقين.
لم تتخط الأفلام التي تناولت العلاقات بين الكوريتين حاجز الأغراض التجارية، فكانت تصف الجنود الكوريين الشماليين بـ»الآلات قاتلة». وعلى الرغم من أنها لم تحمل وجهة النظر المعادية للشيوعية، فقد أظهر بعضها وجهة النظر المحافظة تجاه كوريا الشمالية. وفيلم «خط الحدود الشمالي» الذي عُرض عام ٢٠١٥ وفيلم «معركة إنتشون؛ عملية الكروميت» الذي عُرض عام ٢٠١٦ خير مثالين على ذلك.
فيلم " الخط األمامي( "١١٠٢)من إخراج " جانغ هون
هو من األفالم األكثر ثراء خالل والية الرئيس " لي ميونغ-باك"المحافظ، ويبرز عبثية الحرب وعدم جدواها في المعركة األخيرة قبل هدنة الحرب الكورية.
فيلم " خط الحدود الشمالي( "٥١٠٢)من إخراج " كيم هاك-سون
كس الفيلم وجهة النظر المتشددة للمحافظين ويصور المعركة البحرية بين الكوريتين على الحدود البحرية الفعلية في يونيو عام ٢٠٠٢.
ويستند فيلم «خط الحدود الشمالي» في قصته إلى معركة بحرية حقيقية وقعت بين الكوريتين في يونيو عام ٢٠٠٢ في جزيرة «يون بيونغ» بالبحر الغربي. وجذب الفيلم ستة ملايين مشاهد. وأثار جدلا بشأن التدخل الحكومي في محتويات الأفلام لأنه يظهر الموقف المحافظ لحكومة كوريا الجنوبية بوضوح. لكن، ذلك يشير أيضا إلى أنه حتى الإيديولوجيا يمكن استخدامها في الأغراض التجارية. وقد ذهب عدد كبير من الجنود إلى دور السينما لمشاهدة الفيلم. وتم تخصيص ٦٦٧ شاشة سينمائية في يوم العرض الأول، وارتفع هذا العدد إلى ١٠١٣ شاشة في غضون الأيام الخمسة الأولى، مما أثار شكوكا حول احتكار السينما.
وفيلم «معركة إنتشون» أيضا فيلم تجاري يستفيد من الصراع بين التقدميين والمحافظين. وقال رئيس شركة الإنتاج، «صنعتُ الفيلم أملا في أن يسلّح الناس أنفسهم عقليا ويرتقي الوعي بالأمن الوطني». وقد صور الفيلم العملية الجريئة لإنزال القوات الأمريكية في إنتشون خلال الحرب الكورية لمنع تقدم الجنود الشماليين باتجاه الجنوب. وفي أحد المشاهد من الفيلم، يوجه مسؤول عسكري كوري شمالي سلاحه نحو عائلته لأنها لا تشاركه وجهة النظر الإيديولوجية التي يتبناها، ويقدّمه الفيلم على أنه نموذج للشر. وفي المقابل، يصوّر الفيلم دوغلاس ماك آرثر الجنرال الأمريكي على أنه كائن شبيه بالإله. ويُشار إلى أن الفيلم سلط الضوء على مشاعر الجانب المنتصر وليس على مأساة الحرب. وجذب هذا الفيلم الذي يستغل الإيديولوجيا ومشاهد الحرب تجاريا سبعة ملايين مشاهد.
الخيال السينمائي والواقع
ويتناول فيلم «القلعة» الذي أُنتج عام ٢٠١٧ غزو المانشو الثاني الذي حدث عام ١٦٣٦ ويُسمى باللغة الكورية «بيونغ جا هوران». وعُرض الفيلم وسط التوترات المتصاعدة التي أسفرت عنها تجارب الصواريخ النووية لكوريا الشمالية، حيث استوحى الفيلم الذي يتطرق إلى الصراع التاريخي بين التقدميين والمحافظين قبل قرون هذه القضية الحساسية في تاريخنا المعاصر.
ويتمحور الفيلم حول نقاش حاد جرى بين «كيم سانغ-هيون» زعيم الحزب الذي طالب بالقتال ضد غزاة مملكة تشينغ الصينية و»تشوي ميونغ-غيل» زعيم الحزب الذي دعا إلى التسوية السلمية، حيث جرى النقاش في القلعة بجبل «نام هان» الذي لجأت إليه حكومة مملكة جوسون الكورية.
وفي الفيلم، أكد الوزير «كيم سانغ-هون» خلال حديثه على وجوب المقاومة ضد العدو قائلا، «يجب ألا نعيش في العار، حتى لو كان ذلك قد يشكل خطرا على حياتنا»، في حين جادل وزير شؤون الموظفين «تشوي ميونغ-غيل» بأنه «يجب أن نعيش لكي نرى العدالة ونعمل لصالح القضايا العظمى». وتنعكس هذه الصراعات في الآراء المتعارضة بين المحافظين والتقدميين بشأن علاقات الكوريتين في هذه الأيام أيضا.
وافتُتحت عروض فيلم « أمطار من حديد» في دور السينما في نهاية عام ٢٠١٧، حيث كانت قد مرت أشهر معدودة على إقالة الرئيسة «باك غون-هيه» بفضيحة فساد وتولي «مون جاي-إين» التقدمي منصب الرئاسة. وفي ذلك الوقت، أصبح الكوريون متفائلين آملين أن تتحسن علاقات الكوريتين تحت قيادة الرئيس «مون جاي-إين». وباع آنذاك الفيلم حوالي ٤.٥ ملايين تذكرة.
ويقود قصة الفيلم عميلان؛ أحدهما من الجنوب والآخر من الشمال أدركا أن المأساة في شبه الجزيرة الكورية لا تأتي من تهديدات الدول المعادية، بل هي ناجمة عن طموحات أولئك الذين يستغلون انقسام الكوريتين من أجل الحصول على السلطة، فيتعاون العميلان على تجاوز حدود الأيديولوجيا لوقف الحرب النووية. وصفق المشاهدون لهذا الفيلم تصفيقا حارا بسبب النزعة الإنسانية التي يتحلى بها العميلان وليس بسبب المتعة المرئية لمشاهد الفيلم.
تشير التغيرات في طريقة تناول موضوع «علاقات الكوريتين» في الأفلام إلى أنها تتوافق مع سياسات حكومة كوريا الجنوبية تجاه كوريا الشمالية في وقت عرض الأفلام. بعبارة أخرى، تمثل العداوة والتقاطع في الفيلم مواقف الحكومات المحافظة تجاه الشمال. وعلى العكس، تمثل الصداقة والتعاون فيه مواقف الحكومات التقدمية. وفي المقابل، تركت الآراء والقيم التي أظهرتها الأفلام تأثيرا على مواقف الكوريين الجنوبيين تجاه كوريا الشمالية، أي كيفية النظر إليها والتعامل معها.
الأفلام المستقلة عن المنشقين
من مميزات الأفلام المستقلة أنها تتعامل بصدق مع الموضوعات التي تتجاهلها الأفلام التجارية. ويسلط العدد القليل من الأفلام المستقلة الضوء على المشاكل التي يواجهها الكوريون الشماليون المنشقون في المجتمع الكوري الجنوبي الرأسمالي.
فيلم " حاملة االسم نفسه( "٧١٠٢)من إخراج " تشوي جونغ-غو"و"سون بيونغ-جو
.يقارن الفيلم بين الظروف الحقيقية التي تواجهها امرأتان؛ كورية شمالية منشقة تسعى إلى االستقرار في الجنوب وكورية جنوبية تعاني من قيود المجتمع األبوي.
في نهاية عام ٢٠١٧، صدر فيلم «حاملة الاسم نفسه» الذي يروي قصة امرأتين تحملان الاسم نفسه لكنهما تنطقانه بطريقتين مختلفتين نظرا للاختلاف اللغوي بين الكوريتين.
«ريون-هي» هي امرأة ذات قلب مجروح فقدت ابنتها أثناء الهروب من كوريا الشمالية، فرت من بلدها بسبب الصعوبة البالغة للبقاء على قيد الحياة، لكنها أصبحت تدرك أن الحياة في المجتمع الكوري الجنوبي ليست سهلة أيضا. وتكسب «ريون-هي» رزقها بالعمل بدوام جزئي في متجر صغير، حيث عليها أن تتعامل مع الزبائن والزملاء الذين يحتقرونها، وذلك بعض مما يواجهه الكوريون الشماليون المنشقون في المجتمع الكوري الجنوبي بشكل عام.
كما أن حياة «يون-هي» صعبة، فقد فرت من منزلها هربا من والدها العنيف. فوجدت أن العالم مكان بارد. هي حامل، لكنها لا تعرف من هو أب جنينها.
كُتب على ملصق الفيلم «امرأة فرت من منزلها؛ امرأة فرت من بلادها». وتربط هذه العبارة بين مصير الكوريين الشماليين المنشقين ومصير الكوريات الجنوبيات اللواتي يعشن في المجتمع الأبوي.
تقبض «ريون-هي» على «يون-هي» التي تحاول سرقة كيمباب على شكل مثلث من متجر، والكيمباب طعام كوري من الأرز ملفوف بعشب بحري مجفف، وبعد لقائهما الأول، نشأت صداقة بينهما قبيل ولادة «يون-هي». وتتمكن «ريون-هي» أخيرا من التغلب على معاناتها بسبب فقدان ابنتها.
ويعرض هذا الفيلم قصة التقاء امرأتين في حالات مختلفة من العزلة وتشكلان رابطا للتغلب على مشاكلهما. كما أن الفيلم يربط بين قضايا النوع الاجتماعي التي برزت مؤخرا في جميع أنحاء العالم وقضايا الكوريين الشماليين المنشقين من خلال تصوير لقاء المرأتين الجنوبية والشمالية.
وقد إثار فيلم «ميونغ-هي» ضجة عندما عُرض في مهرجان ميز-آن-سين للأفلام القصيرة عام ٢٠١٤، لأنه اتخذ منهجا مختلفا لطرق هذا الموضوع من خلال تتبع الحياة اليومية لكوري شمالي منشق بأسلوب الفيلم الوثائقي. ومن الشائع أن معظم الأفلام عن الكوريين الشماليين المنشقين تصور هروبهم الخطير ورحلتهم المحفوفة بالمخاطر إلى الجنوب. إلا أن هذا الفيلم يعرض ببساطة امرأة أصبحت جزءا من المجتمع الكوري الجنوبي.
يبدأ الفيلم بمشهد عادي لدرس التمارين الرياضية، حيث تلتقي «ميونغ-هي» التي ذهبت إليه مع صديقتها، وهناك تتعرف «ميونغ-هي» إلى «سو-جين» لتصبحا بعدئذ صديقتين. وتبدأ «ميونغ-هي» بالذهاب إلى متجر الأزياء العائد لـ»سو-جين» كل يوم لتقديم المساعدة. ولا تطلب «ميونغ-هي» أجرا ولا تتوقع ذلك أيضا.
وترى «ميونغ-هي» أنه لا مانع لديها من أن تعمل دون مقابل مالي. وتعد عملها في المتجر شيئا بسيطا على سبيل المساعدة أو عربون صداقة قائلة: «في الشمال، كان علينا أن نخرج ونكسر الحجارة في منتصف فصل الشتاء». إلا أن البعض يرون أن «ميونغ-هي» لا تتحلى بمفهوم الاقتصاد. إذ إنّ من الطبيعي أن يدفع شخص مقابلا ماليا لآخر يقدم خدمة لصالحه في المجتمع الكوري الجنوبي الرأسمالي. ولهذا، تبدأ «ميونغ-هي» رؤية الأمور بشكل مختلف عندما يسأل أصدقاؤها «هل أنت عبدة لـ»سو-جين»؟
ويصل الفيلم إلى ذروته حين تصرخ «ميونغ-هي» أخيرا أمام أصدقائها قائلة: «خاطرتُ بحياتي لكي أكون هنا، لكني ما جئتُ لتتعاملوا معي هكذا». وتحتوي هذه الصرخة الصريحة على اللوم للاحتقار الضمني والشفقة غير المرغوب فيها التي تواجه الكوريين الشماليين المنشقين في الجنوب.
لقد جذب فيلم «يوميات موسان» الأنظار وفاز بـ١٦ جائزة في المهرجانات السينمائية الدولية المتنوعة، ومنها جائزة النمر وجائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين في مهرجان روتردام السينمائي الدولي والجائزة الكبرى في مهرجان أندريه تاركوفسكي السينمائي الدولي الروسي والجائزة الكبرى في مهرجان تورونتو ريل الدولي للأفلام الآسيوية. وعللت لجنة التحكيم لمهرجان تورونتو سبب قرارها الذي اتخذ بالإجماع القاضي بمنح الجائزة الكبرى لفيلم «يوميات موسان» بأن قصة الفيلم مؤثرة وتشير إلى الكفاح النبيل للإنسان الذي يسعى إلى الاندماج مع بيئته الجديدة، مشيدة ببطولة الإنسان الذي يؤمن بنفسه وقدرته ويبذل كل ما في وسعه للبقاء على قيد الحياة.
فيلم " ميونغ-هي( "٤١٠٢)من إخراج " كيم تاي-هون
يصور الفيلم الصراع بين كورية شمالية منشقة والناس من حولها، والذي نشأ من االختالفات في طريقة تفكيرهم ومفهومهم لالقتصاد.
فيلم " يوميات موسان( "٠١٠٢)من إخراج " باك جونغ-بوم
.الفائز بعدة جوائز سينمائية دولية، ويسلط الفيلم الضوء على محنة الكوريين الشماليين المنشقين من منظور الواقعية الجديدة.
ويعزى الثناء الدولي الذي ناله الفيلم إلى النظرة الواقعية الجديدة للعالم التي يتبناها. ويسجل الفيلم الكفاح اليومي لـ»جون سونغ-تشول» الذي فر من منطقة «موسان» في محافظة «هام غيونغ» الشمالية مسلطا الضوء على الواقع الذي يواجهه. بعبارة أخرى، يصور الفيلم الصعوبة التي يعاني منها الأشخاص الذين يعيشون على هامش المجتمع الكوري الجنوبي بسبب فقرهم أو لأنهم لا يملكون أي أصول أو أموال. «موسان» هو اسم المنطقة التي وُلد فيها بطل الفيلم، لكن كلمة «موسان» في الكورية تعني «عدم امتلاك الأصول».
لقد كان «سونغ- تشول» يأمل بحياة أفضل على الرغم من أنه كان يعمل في لصق الملصقات الدعائية على الجدران ويكسب رزقه يوما بيوم. كان «سونغ- تشول» يتعرض للإساءة اللفظية والجسدية كل يوم، بحيث إن اختبار البقاء في كوريا الجنوبية ما زال محفوفا بالمخاطر. وكان لا يشعر بقليل من الراحة إلا في الكنيسة حيث يُعتبر الجميع أبناء الإله. ولا أحد يسعده إلا كلب مهجور يتشارك معه مأساة الحياة نفسها.
لقد أوضح «كيم مان-تشول»، وهو كوري شمالي هرب إلى الجنوب مع عائلته على متن قارب صغير عام ١٩٨٧، في مؤتمر صحفي انعقد بعد فترة وجيزة من وصوله أنه أبحر في اتجاه «بلاد دافئة في الجنوب». لكن بالنسبة لـ»سانغ-تشول» في فيلم «يوميات موسان»، لا تستقبله هذه البلاد بالدفء. ويشير الفيلم إلى أن ما ينتظره هو الواقع المر والكفاح الدؤوب من أجل البقاء على قيد الحياة.