قد يبدو أن الجمال الكوري اليوم بعيد عن القيم والمعايير الجمالية التقليدية لكوريا. لكن، مظهر الكوريين الشباب الذين يحبون أن يتنزهوا في القصور الملكية، وهم يرتدون الملابس التقليدية الكورية الملونة «هانبوك»، يؤكد أن ثمة علاقة بين التقاليد الكورية والجمال الكوري الحديث. وتمثل اللوحات الجدارية في القبور القديمة لمملكة غوغوريو (٣٧ قبل الميلاد – ٦٦٨ بعد الميلاد) واللوحات ذات الموضوع الخاص لأواخر عصر مملكة جوسون (١٣٩٢-١٩١٠) خير دليل على الجمال المثالي الذي استقر في أذهان الكوريات عبر الزمن.
جزء من اللوحات الجدارية في مو يونغ تشونغ، وهو قبر قديم من عصر مملكة غوغوريو يقع في تونغ غو في مقاطعة جيلين الصينية.وهاتان المرأتان الصغيرتان ذواتا الذقن المستدير واللتان تحمالن الطعام والشاي تتميزان بالجمال البسيط
تشير اللوحات الجدارية في قبور مملكة غوغوريو التي يعود تاريخها إلى الفترة ما بين القرن الرابع والقرن السادس إلى جميع جوانب حياة النساء في ذلك الوقت، سواء أكانت الملكات أو النبيلات أو الراقصات أو عازفات الآلات الموسيقية أو الخادمات. ويُلاحظ أنهن لم يكنّ سمينات باستثناء الملكة والمرأة الملكية التي تم رسمها في اللوحة الجدارية في قبر أناك رقم ٣ الذي يقع في محافظة هوانغ هي الجنوبية في كوريا الشمالية. وبشكل عام، فإن النساء في اللوحات الجدارية لَسنَ طويلات ولا كبيرات في الحجم، وذوات ذقون مستديرة.
ومن المثير للاهتمام أن مظاهر النبيلات في اللوحات الجدارية ليست جذابة بصورة خاصة، على الرغم من أوضاع الجسم الأنيقة والفساتين الفاخرة. ويلاحظ أن الرسامين سلطوا الضوء على النساء والفتيات من الطبقات الاجتماعية الدنيا، ويُشار إلى أن الكائنات السماوية وإلهيْ الشمس والقمر التي صوروها في لوحاتهم ترمز إلى الجمال المثالي في عصر مملكة غوغوريو.
ملكة جمال غوغوريو
يمكن أن تقابل «ملكة جمال غوغوريو» في اللوحة الجدارية داخل مو يونغ تشونغ، قبر الراقصين، الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس ويقع في تونغ غو بمقاطعة جيلين في شمال شرق الصين. وفي اللوحة، تخرج المرأتان من المطبخ لتقديم الطعام والشاي. وتحمل المرأة الأولى طاولة صغيرة وتحمل المرأة الأخرى وراءها طبقا كبيرا. وترتديان الرداء الأبيض والأحمر المنقطين باللون الأسود. وتحت الرداء، تلبس كل واحدة منها تنورة بيضاء مطوية وبنطلونا أحمر وحذاء أحمر يرتفع طرفه الأمامي. وهما صغيرتان ولكن، يبدو أن جسميهما متينان. أما الشعر فإن إحداهما صففت شعرها على شكل كعكة منخفضة، والأخرى صففت شعرها على شكل كعكة علوية. ويدل ذلك على أن هاتين المرأتين الأنيقتين اللتين تتمتعان بالجمال الصحي في سن المراهقة أو في أوائل العشرينيات من العمر.
عندما زرتُ قبر سوسان-ري في بيونغ يانغ في مايو عام ٢٠٠٦ بمناسبة مشروع البحث الأكاديمي المشترك بين الكوريتين حول اللوحات الجدارية في قبور مملكة غوغوريو، صادفتُ فتاة غوغوريو اللطيفة في إحدى اللوحات الجدارية، وهي خادمة للزوجين اللذين دُفنا في هذا القبر. وفي اللوحة، يشاهد الزوجان العرض البهلواني مع عائلتهما، وهي تقف في الوسط بجانب سيدتها تحمل مظلة. وعلى الرغم من أن اللوحة لحقت بها أضرار بالغة جعلت صورتها غير واضحة، فإني وجدت أن وجهها البيضاوي لا يختلف اختلافا كبيرا عن وجه المرأة التي تُعتبر اليوم جميلة. وكانت هذه الخادمة الصغيرة جميلة كزهرة القرع البيضاء التي تتفتح تحت ضوء القمر. نظرتُ إليها ثم أدركت أنها فتاة شابة لطيفة مثلت الجمال المثالي في عصر مملكة غوغوريو.
في الحقيقة، دائما هناك امرأة وراء كل رجل عظيم ساهم في ازدهار مملكة غوغوريو التي سيطرت على أجزاء واسعة من شمال شرق آسيا. ومن أمثلة هؤلاء النساء اللواتي يصنعن الرجال العظماء يوهوا، والدة جو مونغ الذي أسس مملكة غوغوريو، وزوجته سو سونو والأميرة بيونغ غانغ التي تزوجت أوندال من عامة الشعب ويون غاي سو يونغ ويون غاي سو جين، الأختان الصغريان للجنرال يون غاي سو مون، اللتان ساهمتا في تحقيق أخيهما الكبير انتصارا ضد غزاة تانغ الصينية. ولهذا السبب، لدينا صورة نمطية عن أن نساء غوغوريو كن يتسمن بالقوة والشدة والصرامة. لكن اللوحات الجدارية في قبور مملكة غوغوريو صورتهنّ أنيقات ورشيقات من خلال الخطوط والألوان الناعمة.
جزء من اللوحات الجدارية في قبر سوسان-ري، و يُ القرن الخامس في منطقة بيونغ يانغ.ووجه الخادمة التي تقف بجانب سيدتها تحمل مظلة جميل وبريء للغاية
اللباس المكون من قطعتين
في محافظة بيونغ آن الجنوبية يوجد قبران، وهما «سانغ يونغ تشونغ»، قبر العمود التوأم، في مدينة نامبو وقبر «سوسان-ري» في بلدة غانغسو، ويعود تاريخهما إلى أواخر القرن الخامس وأوائل القرن السادس. وفي اللوحات الجدارية لهذين القبرين، رُسمت النساء بخطوط أكثر دقة وليونة مقارنة باللوحات الجدارية التي رُسمت في الوقت السابق. ويبدو أن النساء في اللوحات الجدارية لهذين القبرين أكثر رشاقة وتزيّنا مقارنة بالنساء في اللوحات الجدارية للقبور في منطقة تونغ غو التي سبقتها. وتشير الملابس التي ترتديها النساء إلى هذه التغيرات، حيث تتسع التنورة المطوية التي يرتدينها باتجاه الأسفل لتكوّن شكلا هندسيا مثل شبه المنحرف المكوّن من خطوط مستقيمة بسيطة.
تتسم الملابس في هذا العصر بالبساطة، وعلى وجه الخصوص، يتميز لباس النساء من الطبقة العامة بالبساطة لكنه يجمع أيضا الأناقة الطبيعية في الملابس اليومية، كما أن الياقات وأطراف الأكمام وحواشي السترات والأردية مزينة باللون الأسود أو بالألوان البارزة الأخرى، والحزام مربوط حول الخصر. وخلافا للتنانير المزينة بالأشرطة الملونة الواسعة التي كانت ترتديها النساء من الطبقة النبيلة، فإن معظم التنانير التي كانت ترتديها النساء من الطبقة العامة كانت بيضاء اللون، وذات ثنيات رشيقة، لكن كان بعضها مزينا بالأشرطة الملونة في طرفها.
كان اللباس الأساسي مُكوّنا من البنطلون والسترة لكل من الرجال والنساء في مملكة غوغوريو، وكانت معظم النساء يرتدين التنانير فوق البنطلونات، وكانت ستراتهن طويلة جدا بما يكفي لتغطية أوراكهن. ولا شك أن اللباس المكون من السترة والبنطلون، أي ما يُسمى «اللباس المكوّن من قطعتين»، كان يُعد أسلوب اللباس الأفضل للحياة اليومية في تاريخ الملابس العالمي، ويسود في عصرنا الحالي. وفي كوريا، يُصنف اللباس المكون من قطعتين في فئة «يانغ بوك» الذي يعني «اللباس الغربي»، لأنه يُعتقد أنه انتقل من الغرب. لكن، هذا النوع من اللباس ظهر في اللوحات الجدارية في القبر القديم لمملكة غوغوريو الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع لأول مرة في تاريخ الفنون العالمي. وفي هذا الصدد، يمكن القول إن شعب غوغوريو راكبي الخيول كانوا هم مخترعي اللباس المكون من قطعتين.
إن هذا النمط من اللباس هو مزيج من اللباس العلوي والسفلي اللذين يختلفان في اللون. وطريقة تنسيق الألوان جريئة وأنيقة. وعادة ما كانت النساء في غوغوريو يرتدين تنورة بيضاء مع سترة من اللون الأحمر أو الوردي أو البنفسجي الغامق، مما أدى إلى تطور تقنيات الصباغة والنسيج. وفي اللوحات الجدارية في «أوهويبون»، قبر الخوذات الخمس، رقم ٤ في منطقة تونغ غو، تم تصوير إلهيْ الشمس والقمر. ويرتدي إله الشمس الملابس البسيطة المكونة من السترة البنية والتنورة الصفراء، بينما يرتدي إله القمر الملابس الفاخرة المكونة من السترة الحمراء والتنورة الخضراء. وهذان اللونان المكملان، وهما اللون الأحمر واللون الأخضر، يتوجدان بعضهما مع بعض في أغلب اللوحات الجدارية في أواخر عصر مملكة غوغوريو التي رُسمت فيها الآلهة الحارسة الأربع. وانتقل هذا الذوق في التلازم بين اللونين من جيل إلى جيل حتى وصل إلى الكوريين اليوم.
إن الأزياء التي تظهر في اللوحات الجدارية في القبور القديمة لمملكة غوغوريو تُعدّ من أصول الملابس التقليدية الكورية «هانبوك» التي اكتملت بشكلها الحالي في أواخر عصر مملكة جوسون. وبطبيعة الحال فإنه من الصعب أن نعرف جميع مراحل التحول والتطور التي مرّت بها الملابس التقليدية الكورية «الهانبوك» منذ عصر مملكة غوغوريو بسبب قلة الآثار أو اللوحات التي تعرض مراحل تطوره في عصريْ مملكة شيلا الموحدة (٦٧٦-٩٣٥) ومملكة غوريو (٩١٨-١٣٩٢). وعلى الرغم من ذلك، فيمكن أن نلاحظ أن اللباس المكون من قطعتين بالألوان المختلفة كان موجودا أيضا في عصر مملكة جوسون. وخلافا لمملكة غوغوريو، أصبح طول السترة أقصر في أواخر عصر مملكة جوسون، وأخذ الناس يرتدون الملابس الملونة بالأحمر والأخضر في المناسبات الرسمية فقط، وفضلوا ارتداء الملابس باللون الأزرق النيلي في حياتهم اليومية.
من المؤكد أن النساء في لوحات سين يون-بوك كنّ محددات الموضة من الجيل الجديد. ويتشابه الانسجام بين التنورة الزرقاء الداكنة والسترة البيضاء الذي اخترعنه في أوائل القرن التاسع عشر مع اتجاهات الموضة التي سادت في باريس في الوقت ذاته.
جمال فطري
تنقسم اللوحات ذات الموضوع الخاص التي تعود إلى أواخر عصر مملكة جوسون إلى نوعين بحسب الموضوع. وكان الموضوع الرئيس في القرن الثامن عشر العمل في المجتمعات الزراعية. بينما عكست اللوحات التي رُسمت في أوائل القرن التاسع عشر التحولات الاجتماعية وكان الموضوع الرئيس لها سكان المدينة المستمتعين بالترفيه. وسلطت اللوحات في النوع الأول الضوء على النساء اللواتي يمارسن الأنشطة الاقتصادية أو يقمن بالأعمال المنزلية. أما لوحات النوع الثاني فتعرض النساء اللواتي يستمتعن بالألعاب أو التنزه خارج البيت. ويمثل النوع الأول من «مجموعة اللوحات ذات الموضوع الخاص» لوحات الرسام كيم هونغ-دو (١٧٤٥-١٨٠٦ تقريبا). وأما النوع الثاني فتمثله «صورة السيدة الجميلة» و»مجموعة اللوحات ذات الموضوع الخاص» للرسام سين يون-بوك (١٧٥٨-١٨١٤ تقريبا). وتقدم لوحات هذين الرسامين صورة واقعية عن ملابس النساء مع معلومات نظرية عن اتجاهات الموضة والفروق بين الطبقات الاجتماعية.
وعلى وجه الخصوص، تشير اللوحات التي تعود إلى عصر الملك سوك جونغ (فترة الحكم: ١٦٧٤-١٧٢٠) والملك سونجو (فترة الحكم: ١٨٠٠-١٨٣٤) إلى أن نساء مملكة جوسون كنّ يسعين إلى التعبير عن أفكارهن الخاصة بموضوع الجمال، وهذا يكسر الصورة النمطية عن أن نساء جوسون كنّ محتشمات ومضطهدات. كما أن اللوحات تدل على أن الوعي الجمالي لدى النساء في أواخر عصر مملكة جوسون لا يتوافق مع القواعد والآداب في المجتمع الكونفوشيوسي آنذاك، وأن النساء اللواتي رفعنَ تنانيرهنّ وربطنَها حول الخصر وعرضنَ أنفسهن أمام الرسامين، بعيدات كل البعد عن الفضائل الأنثوية المفروضة عليهنّ في ذلك الوقت، إضافة إلى أن بعض النساء لم يلتزمن بقواعد اللباس القائمة على أساس الطبقات الاجتماعية، بل إن بعضهن خالف الأمر الملكي الذي يحظر استخدام خصلات الشعر المستعارة.
وعلاوة على ذلك، أظهرت اللوحات بعض النساء منحنيات الصدر بارتداء السترات الضيقة وتغطية أجسادهن السفلية مع التنانير الواسعة ذات الطبقات المتعددة، وهذا يعني أنهن كنّ يفضلنَ الأسلوب الذي يبرز رشاقة الجزء العلوي من الجسم وسمنة الجزء السفلي منه. وهذا يُذكِّر بالشكل المستدير اللطيف لـ»جرة القمر» الخزفية التي صُنعت أيضا في أواخر عصر مملكة جوسون. ومن المثير للاهتمام أن هذا النمط من ملابس النساء الذي يتمثل بتضييق اللباس العلوي وتكبير حجم اللباس السفلي كان سائدا في أوروبا في ذلك الزمن أيضا.
وفي تلك الفترة، كان اللون الأزرق يغلب على ملابس النساء اليومية. وعلى الرغم من أن أساليب الملابس اختلفت بحسب الطبقات الاجتماعية، فقد كانت جميع درجات اللون الأزرق التي تمتد من الأزرق المُخضرّ إلى الأزرق الداكن تغلب على ملابس النساء. وتوجد أدلة على ذلك في «مجموعة اللوحات ذات الموضوع الخاص» للرسام سين يون-بوك. وأوضحت البحوث والدراسات عن ملابس النساء التي رُسمت في لوحات سين الثلاثين أن ٥٢ امرأة من بين ٧٠ امرأة، أي ٧٤ في المائة، ارتدين الدرجات المختلفة من اللون الأزرق النيلي.
إن الانسجام بين السترة البيضاء والتنورة الزرقاء النيلية يُذكّرنا بـ»تشونغ هوا بيكجا»، الخزف الأبيض ذي الأشكال الملونة بالأزرق النيلي الذي كان مشهورا في ذلك الوقت أيضا. ولعل حب النساء للون الأزرق أتى من حبهن للسماء الخريفية الزرقاء الصافية التي تتناثر فيها الغيوم البيضاء. وهناك انسجام لوني آخر يجذب أنظارنا أيضا، وإنْ اُستخدم بصورة نادرة، وهو الانسجام اللوني بين التنورة الحمراء والسترة الصفراء، وبين التنورة الزرقاء الداكنة والسترة الوردية أو البنفسجية أو ذات اللون الأخضر المُصفرّ.
صورة السيدة الجميلة"لـ"شين يون-بوك"، أواخر عصر مملكة جوسون، بالحبر واللون على الحرير، قياس ٤١١ x ٥.٥٤ سمتشير اللوحة إلى الذائقة الجمالية لدى الرسام. في اللوحة سيدة جذابة يتجه وجهها إلى األسفل قليال.ويدل نمط لباسها على أنها من الطبقة العليا.وهي تجسد الجمال الكوري التقليدي المثالي.الكنز رقم ٣٧٩١
الأصالة والبساطة
زينت النساء من الطبقة النبيلة في مملكة جوسون ثلاثة أجزاء من السترة البيضاء بالأشرطة الملونة، وهي الياقة والجزء الواقع تحت الإبط وطرف الكم. وكان هذا النوع من السترة يُسمى باسم «سام هوي جانغ جوغوري» الذي يعني السترة ذات الأجزاء الثلاثة المزينة. وأما السترة التي زُينت الياقة وطرف الكم فقط، فإنها كانت تُسمى باسم «بان هوي جانغ جوغوري» الذي يعني السترة ذات الجزأين المزينين. وأيضا هناك نوع آخر من السترات كانت دون أي تزيين، وكان يُطلق عليها «مين جوغوري» أي السترة البسيطة. وتشير السترة البيضاء المزينة بالأشرطة ذات اللون الفاتح إلى جهود النساء في التعبير عن الأصالة مع الحفاظ على البساطة. وبالإضافة إلى ذلك، استخدمت النساء الحلي مثل «نو ري غاي»، حلي مزينة بشرابة، و»دوي كو جي»، دبابيس الشعر التي تُوضع في شعر مؤخر الرأس، و»بي نيو»، دبابيس الشعر التي تُوضع في الشعر المصفف على شكل كعكة، فضلا عن الأحذية المزخرفة لإضافة الأناقة إلى مظهرهن.
من اللافت للنظر أن السترة ذات الأجزاء الثلاثة المزينة نادرا ما تظهر في اللوحات ذات الموضوع الخاص، لكون هذا النوع من السترات كانت مخصصة للنساء من الطبقة العليا. وفي لوحات سين يون-بوك، لا يوجد سوى ثلاث نساء مرتديات هذا النمط من السترة. ومن المفترض أنهن من عائلات نبيلة. وأما الأخريات اللواتي يرتدين السترات البسيطة أو ذات الجزأين المزينين فإنه من المرجح أنهن ينتمين إلى الطبقة العامة أو الفنانات التقليديات «غي سينغ».
لقد صور سين يون-بوك في لوحة «صورة السيدة الجميلة» سيدة أنيقة يبدو أنها من الطبقة العليا في أواخر عصر مملكة جوسون. وهذه السيدة الأنيقة كانت تمثل الجمال المثالي في العصر ما قبل الحديث. وعلى الرغم من أنها غالبا ما تُعتبر من الفنانات التقليديات «غي سانغ»، فإن سترتها ذات الأجزاء الثلاثة المزينة تدل على أنها من عائلة نبيلة. ويبدو أنها في العشرينيات من عمرها وصففت شعرها إلى الوراء على نحو أنيق باستخدام خصلات الشعر ذات الحجم المناسب. كما أن سترتها البيضاء المزينة باللون البنفسجي المائل إلى الأزرق، تنسجم مع تنورتها الزرقاء النيلية البسيطة ولكنها فاخرة أيضا. ويعزز الشريط البنفسجي في شعرها والشريط الأحمر في جانب جسمها جمالها. وهناك شيء فيه جاذبية يأتي من قدمها التي تظهر تحت التنورة الطويلة.
من المؤكد أن النساء في لوحات سين يون-بوك كنّ محددات الموضة من الجيل الجديد. ويتشابه الانسجام بين التنورة الزرقاء الداكنة والسترة البيضاء الذي اخترعنه في أوائل القرن التاسع عشر مع اتجاهات الموضة التي سادت في باريس في الوقت ذاته.
لقد كان القرن التالي زمنا صعبا للكوريين. وأما «الفتيات الحديثات» خلال الحكم الاستعماري الياباني في أوائل القرن العشرين والنساء اللواتي تبعنهن، فإنهن تأثرن بالثقافة الغربية عبر اليابان ولم يقدرن على إبراز أصالتهن لأنهن سعين إلى محاكاة الآخرين. لكن، في القرن الجديد، تنثر النساء من الجيل الجديد موجة الجمال الكوري في كل أنحاء العالم. وربما أن الكوريات في القرن الحادي والعشرين من «نوع جديد» يختلف اختلافا جذريا عن الأجيال القديمة ويُحدث نقلة نوعية كبيرة في تاريخ الثقافة الكورية.
الجمال الطبيعي في قلب المدينة
يقع متحف كوريانا لمستحضرات التجميل في غانغ نام في سيول، وهو المتحف الوحيد المتخصص في مستحضرات التجميل وثقافتها. ويُتيح هذا المتحف لزواره أن يطلعوا على تاريخ مستحضرات التجميل في كوريا وأصل الجمال الكوري في مركز البوب.
استخدمت النساء في عصر مملكة جوسون مساحيق الحبوب، مثل بقلة الماش وفول صويا والفول األحمر لغسل وجوههن، وفقا لكتاب " المبادئ والممارسات في الطب الشرقي"من أوائل القرن السادس عشر درج ضمن قائمة سجل ذاكرة العالم الذي أُ لليونسكو.واُستخدمت المواد الطبيعية على نطاق واسع لصنع مساحيق الوجه ومستحضرات التجميل ذات األلوان، منها األرز وبذور األزهار والطين األحمر وبتالت العصفر
إن الوعي بالجمال الذي ينسجم مع الطبيعة ولا يعتدي عليها يمثل جزءا مهما من الثقافة الكورية، ويمكن إيجاد أمثلة على ذلك بسهولة في الهياكل المعمارية والأزياء وعادات الطهي فضلا عن تقاليد التجميل. وتشير الأشكال الخارجية للناس التي ظهرت في اللوحات الجدارية في القبور القديمة وغيرها من الآثار التاريخية إلى أن مستوى ثقافة التجميل الكورية في القرن الأول قبل الميلاد قد وصل إلى مستوى راقٍ. وفي القرن العاشر في عصر مملكة غوريو (٩١٨-١٣٩٢)، ازدهرت ثقافة التجميل مع بدء صناعة عبوات مستحضرات التجميل الأنيقة والمرايا البرونزية.
وخلال عصر مملكة جوسون (١٣٩٢-١٩١٠)، ظهر مفهوم الجمال الطبيعي، من خلال سعي الناس إلى تحقيق المظهر الأنيق المتواضع باستخدام مستحضرات التجميل الطبيعية. وقد تطورت ثقافة التجميل الكورية التي يعود تاريخها إلى أزمان بعيدة بشكل مستمر. وفي عصرنا الحالي تساهم التكنولوجيا الحديثة في زيادة فعالية المواد الطبيعية التي اُستخدمت في صناعة مستحضرات التجميل التقليدية وفي تلبية رغبات الناس في الجمال.
الصندوق الخزفي المقسم من نوع سيالدون الذي ُزين بأشكال زهور األقحوان، مملكة غوريو، القطر:٤.١١ سم ( صندوق خارجي)، ٦.٣ سم ( عبوات داخليةو ُ ضعت في الصندوق المسمى بـ"موجاهاب"عبوات لمستحضرات التجميل المتنوعة، منها مساحيق الوجه وأحمر الخدود وحبر الحواجب
البوب والجمال الكوريان
اُفتتح متحف كوريانا لمستحضرات التجميل في عام ٢٠٠٣ بناء على رغبة ـ»يو سانغ-أوك» مؤسس ورئيس شركة كوريانا لمستحضرات التجميل. إذ شعر الرئيس «يو» بالأسى الشديد عندما وجد أن شركاءه التجاريين خارج البلاد لا يعرفون شيئا عن تقاليد التجميل الكورية المميزة. ولهذا السبب، بذل جهودا كبيرة في دراسة الثقافة التقليدية وتوسيع مجموعته للآثار المتعلقة بالجمال والتجميل.
لقد قام الرئيس المؤسس «يو» بتكليف المعماري الإيكولوجي المشهور «جونغ غي-يونغ» (١٩٤٥-٢٠١١) بمهمة تصميم المتحف. واتفق رئيس شركة مستحضرات التجميل الذي سعى إلى إيجاد الجمال في الطبيعة والمعماري الذي أكد على العمارة الصديقة للبيئة، على بناء متحف يشعر فيه الناس أنهم في حديقة في وسط المدينة. وساهمت جهودهما في تحويل منطقة «غانغ نام» إلى المركز الدينامي للبوب الكوري والجمال الكوري.
المواد الطبيعية
عندما يدخل الزائر المتحف، تجذب أنظاره المواد الطبيعية التي كانت تستخدمها النساء في التجميل في العصر ما قبل الحديث. وربما يرى بعض الزوار أن مواد التجميل القديمة تختلف عن المواد التي تُستخدم حاليا. لكن المواد المعروضة هي الحبوب وغيرها من المواد الطبيعية الأخرى التي يمكن أن نجدها حولنا بسهولة. كما أن هذه المواد مذكورة أيضا في كتاب «المبادئ والممارسات في الطب الشرقي» الذي يُسمى أيضا باسم «دونغ إي بو غام» وألفه الطبيب هو جون (١٥٣٩-١٦١٥). ويقدم هذا الكتاب الطبي الذي يعود إلى عصر مملكة جوسون، الذي أُدرج ضمن قائمة سجل ذاكرة العالم لليونسكو، وَصْفات مفصلة حول الأمراض المتنوعة، بالإضافة إلى المعلومات المتعلقة بالتجميل، مثل طرق تغذية البشرة والتبييض ومكافحة الشيخوخة وعلاج التسمم بمستحضرات التجميل أو البقع. ومن المدهش أن مشاكل البشرة التي كانت تهم الناس في الماضي لا تختلف اختلافا كبيرا عن مشاكل البشرة التي تقلق الناس في عصرنا الحالي.
يعرض المتحف منظفات البشرة الطبيعية المصنوعة من بقلة الماش وفول الصويا والفول الأحمر، فضلا عن مساحيق الوجه المصنوعة من الأرز وبذور الأزهار والطين الأحمر. ومن المثير للاهتمام أن النساء في الماضي كن يسعين إلى إيجاد مسحوق الوجه المثالي لهن. وقد بذلن جهودا في إيجاد مواد يتناسب لونها مع لون بشرة وجوههن وكنّ يخلطنها مع مسحوق أبيض لصنع مسحوق الوجه لهن. وكانت ألوان مساحيق الوجه ممتدة من اللون الخوخي الفاتح إلى اللون الأبيض اللؤلؤي. كما أن المتحف يعرض المواد التجميلية للحواجب التي حظيت باهتمام كبير كجزء من التجميل الأساسي وحمرة الخدود وأحمر الشفاه التي صُنعت من بتلات العصفر، بالإضافة إلى طرق صناعة مستحضرات التجميل التقليدية لتعزيز فهم الزوار.
في القرن العاشر في عصر مملكة غوريو (٩١٨-١٣٩٢) ازدهرت ثقافة التجميل مع بدء صناعة عبوات مستحضرات التجميل الأنيقة والمرايا البرونزية.
صندوق المرآة المدهونة بالورنيش والمزينة بعرق اللؤلؤ، مملكة جوسون، العرض:٦.٨١ سم، العمق:٥.٥٢ سم، الطول:٦.٥١ سمزين الجزء األمامي من صندوق المرآة بأشكال هندسية و ُ زين الجزء الجانبي بأشكال مستوحاة من المناظر الطبيعية.ويمكن ثني الغطاء الخلفي لجعل المرآة مستقيمة عند االستخدام.وهناك مكان في الجزء السفلي من الصندوق لحفظ مستحضرات التجميل
مرآة مزينة بأشكال الزهور، مملكة غوريو، القطر:٩.٨١ سم.وهي مرآة دائرية من النحاس و ُزين وجهها الخلفي ببتالت الزهور وو ُ ضع شريط بارز على حوافها.وال يمكن إيجاد هذا النوع من بتالت الزهور إال في اآلثار الحرفية في عصر مملكة غوريو، وأحيانا في الصين واليابان.
العبوات الخزفية
من المعروف عالميا أن مستحضرات التجميل تُصنع للنساء، إلا أن العطور استفاد منها كل من الرجال والنساء. وفي المجتمع الكوري التقليدي، اُستخدمت العطور على نطاق واسع في الحياة اليومية لإزالة رائحة الجسم، والحماية من الحشرات الضارة، وإرخاء الجسم والعقل. وكان الناس يعلقون أكياس العطور الصغيرة على الحلي أو يضعونها في خزانة الملابس للحفاظ على الرائحة الزكية لأطول فترة ممكنة. وفي المتحف يوجد مكان خاص يمكن للزوار تجربة العطور التقليدية المتنوعة فيه.
لم تكن مستحضرات التجميل التقليدية تُصنع بكميات كبيرة، لأن هذه المستحضرات كان مستخدموها في الغالب يصنعونها شخصيا، علاوة على أن تخزينها كان يمثل مشكلة أخرى، لأن المواد الطبيعية تفسد بسهولة بعد مرور بعض الوقت. ولذلك، كان الناس يضعونها في عبوات خزفية صغيرة يسمح سطحها بمرور الهواء إلى الداخل مما يمنع فساد مستحضرات التجميل الطبيعية.
ويعرض المتحف عبوات مستحضرات التجميل المتنوعة من عصور مختلفة، ومنها العبوات الفخارية في عصر مملكة شيلا الموحدة (٦٧٦-٩٣٥) والعبوات الخزفية من سيلادون بلون اليشم لمملكة غوريو، بالإضافة إلى العبوات الخزفية من نوع «بون تشونغ»، باللون الأزرق المائل إلى الرمادي، وعبوّات الخزف المعروفة باسم «تشونغ هوا بيكجا»، باللونين الأبيض والأزرق، من عصر مملكة جوسون. وتختلف عبوات مستحضرات التجميل المعروضة ليس في اللون فسحب، بل في التصميم والشكل كذلك، ومنها جرات الزيت والأواني والأكياس والصحون لمساحيق الوجه. وتعطي هذه المعروضات المتنوعة الزوار فرصة للاطلاع على تاريخ ثقافة التجميل الكورية التي تطورت بدعم من تقنيات الخزف المتقدمة.
نوري غاي من ثالث شرابات مزينة بالمجوهرات، مملكة جوسون، الطول:٨٣ سمنوري غاي من حلي المالبس النسائية الشائعة في مملكة جوسون، سواء أكان لنساء الطبقة النبيلة أم الطبقة العامة.و ُ زينت نوري غاي من ثالث شرابات بمجوهرات مختلفة، وهي من الحلي األكثر فخامة
دبابيس الشعر المزخرفة، مملكة جوسون، الطول:٤٢ سم، ٤.٧٣ سم، ٢.٥٢ سم، ٠٢ سماُستخدمت بينيو في تثبيت كعكة الشعر للنساء، واختلفت من حيث المواد واألنماط التي تعتمد على الحالة االجتماعية لمستخدماتها والمناسبات والمواسم
برامج التجربة
اُستخدمت مستحضرات التجميل الطبيعية التي تم تخزينها في العبوات الخزفية لفترات طويلة. لكنها شهدت تغيرا بعد دخول الثقافة الغربية إلى بلادنا. ويعرض المتحف المنتج التجميلي الحديث الأول في كوريا المعروف باسم «باك غا بون» وهو يعني مسحوق «باك» للتجميل، وغيره من المنتجات التجميلية التي تبين تاريخ المنتجات التجميلية في العصر الحديث.
ويقدم المتحف أيضا عَرْضا دائما لأدوات التجميل الشخصية، بما في ذلك الأمشاط والمرايا والحلي للنساء التي تتمثل بـ»بي نيو»، دبابيس الشعر التي تُوضع في كعكة الشعر و»نو ري غاي»، الحلي المزينة بالشرابة التي تُوضع أمام السترة. وفضلا عن ذلك، يعطي المتحف فرصة للمقارنة بين ثقافات التجميل في شمال شرق آسيا بتقديم معلومات عن ثقافة التجميل في كل من الصين واليابان اللتين أقامت معهما كوريا علاقات ثقافية وثيقة.
لقد أقام المتحف العديد من المعارض في البلدان المختلفة للتعريف بثقافة التجميل الكورية في العالم.