جبل إنوانغ هو معلم في سوتشون يظهر في العديد من لوحات المناظر الطبيعية التقليدية بفضل مناظرها الخلابة. وكان الجبل مكانًا يُنشِدُ فيه العلماء الشعر ويستمتعون بأنشطة فنية أخرى خلال عهد سلالة جوسون. والآن يتجه المواطنون إلى مسارات الجبل للتنزّه والمشي.
منظر لوسط سيول من جبل إنوانغ. أمر إي سونغ-غاي، مؤسس مملكة جوسون، ببناء أسوار حصن تربط بين قمم الجبال الأربعة المحيطة بالمدينة القديمة؛ بوغاك-سان وناك-سان ونام-سان وإنوانغ-سان. ويبلغ ارتفاع الأسوار ما بين ٥ و ٨ أمتار في المتوسط ويصل طولها الإجمالي إلى ١٨.٦ كيلومترا.
© هيئة السياحة الكورية
تحوّل متجر الحبوب إلى صالة ألعاب، ومتجر الأدوات إلى مطعم. وأصبحت المنازل التي كانت منازل جيراني، محاطةً بحواجز لمنع الغبار، ثم تغيّرت إلى محلات تجارية بسرعةٍ. وعندما أخرج من بيتي أشعر بأن مناظر الحي غير مألوفة. لكن عند العودة إلى بيتي في المساء، تظهر أمامي ظلال جبلَيْ إنوانغ وبوغاك خلف ميدان بوابة غوانغهوا، الأمر الذي يُشعرني بالارتياح. وإذا وقفت عند التقاطع بالقرب من محطة مترو قصر غيونغبوك ونظرت إلى الطريق الممتد شمالًا، فيمكن أن أجد قمم الجبلين البعيدين مثل طائر يمدّ جناحَيْه على بامتداد شاسع. ومع مرور الوقت تغيّرت سوتشون، لكن تظلّ الجبال كما هي.
وعلى الرغم من أن سوتشون تمر بتغيرات ملحوظة إلا أن الأزقة المتعرجة ما تزال فيها أكثر من الأزقة المستقيمة. وتشبه الأزقة المليئة بالمنازل التقليدية ذات الأسطح المبلطة الحروفَ الكورية “ㄱ ㄴ ㄷ ㄹ”، وتشكّل أحيانًا الحروف “ㅁ ㅂ”. وأثناء السير في هذه الأزقة، قد تضلّ وجهتك لأنّ الأحرف الخلابة المكتوبة على ألواح الأبواب أو الأنماط الموجودة على مقابض الأبواب والنوافذ الحديدية قد تُغريك. ولحسن الحظ فإن جبل إنوانغ الذي يقف ثابتًا يرشدك في الاتجاه الصحيح.
وكانت سوتشون في قلب سيول وتاريخها منذ أن تم اختيار هانيانغ، الاسم السابق لسيول، عاصمةً في أوائل عهد سلالة جوسون (١٣٩٢ - ١٩١٠ م). والآن فيها ٤ مكتبات عامة و٢٠ متجر كتب، وتدير أحدَها هان كانغ، الحائزة على جائزة نوبل في الأدب لهذا العام. وأشعر بالرغبة في تغيير حرفٍ صيني في اسم هذه المنطقة لكي يصبح معناه “الغرب” إلى “الكتابة”.
جبال مهيبة
يقع جبل إنوانغ غرب قصر غيونغبوك ويمتدّ على طول منطقة سوتشون والمناطق المجاورة لها. ويبلغ ارتفاعه ٣٣٨.٢ مترًا، ولا يستغرق الوصول إلى قمته من أي اتجاه أكثر من ساعة. ويحتوي الجبل الجرانيتي المهيب على وديان عميقة كانت ترتادها النمور ذات يوم.
وخلال عهد مملكة جوسون كان هناك طريق إويجو يربط شبه الجزيرة الكورية بالبر الرئيس الصيني. وامتدّ من العاصمة هانيانغ إلى منطقة إويجو في محافظة بيونغآن الشمالية حيث كان عابرًا الأجزاء الوسطى والشمالية من شبه الجزيرة. وكان المبعوثون الصينيون يستخدمون هذا الطريق لدخول هانيانغ بعد المرور ببيونغيانغ وكايسونغ في الشمال. واستراحوا واعتنوا بمظهرهم في هونغجيوون، وهو نزل خارج البوابة الغربية للمدينة، ثم عبروا مواكجاي، الممر الواقع في الوادي بين جبلَيْ آن وإنوانغ قبل الوصول إلى هانيانغ. وكان هذا الممر الجبلي قاسيًا للغاية على المسافرين، وحتى سبعينيات القرن الماضي كان تساقط الثلوج الكثيفة يجعله خطيرًا للغاية لدرجة أن يُغلق أمام المارّة.
ألبوم المواقع الثمانية الخلابة في جانغ-دونغ في سيول. جونغ سون. خمسينيات القرن الثامن عشر. لون فاتح على الورق. ٣٣.٤ x ٢٩.٧ سم.
قام الرسام جونغ سون الذي عاش في سوتشون برسم ثمانية مواقع خلابة فيها على الورق. وتصوّر اللوحة واديًا في سفح جبل إنوانغ وتظهر ضربات الفرشاة الرائعة للفنان في السبعينيات من عمره.
وسجّل مبعوث من سلالة مينغ “دونغ يوي (١٤٣١ – ١٥٠٢ م)” انطباعاته الأولى عن هانيانغ في مذكراته عن الرحلة “تشاوشيانفو”. ويقول فيها “نظرت إلى هانيانغ عبر نهر إيمجين وأذرعنا متقاطعة. وكانت الجبال محاطة بسور المدينة، وبدت وكأنها طائر فينيق مَهيب يتألق”. وتظلّ التضاريس كما هي. ويقوم الكثير من المتنزّهين في جبل إنوانغ اليوم بالتقاط صور لأنفسهم على الصخرة الموجودة في القمة. وفي الأيام المشمسة يبدون وكأنهم محاطون بقمم الجبال القريبة بشكل الحروف الكورية “ㅅ ㅅ ㅅ”.
الاستمتاع بالزهور المتفتحة
كان أهل هانيانغ يستمتعون بزهور الربيع في جانبَيْ سفح جبل إنوانغ. وتشير “يوليانغ سيسيغي”، سجلات عن العادات الموسمية لعصر جوسون، إلى أن الناس كانوا يتدفّقون كالغيوم إلى “بيلونداي”، مَعْلَم الاستمتاع بزهور المشمش، و”سيسيمداي”، آخر للاستمتاع بزهور الخوخ، في شهر مارس.
وإن عالِم سيلهاك “باك جي-وون (١٧٣٧ – ١٨٠٥ م)” الذي لم يكن من محبّي الشعر، كتب قصيدتَيْن عن بيلونداي في مجموعة أعماله “يونامجيب”. كما وصف “يون غي”، مسؤول في مملكة جوسون في القرن الثامن عشر، في مختاراته الشعرية “مو ميونغ جا جيب”، بأنّ “بيلونداي يرتفع مع صخور عريضة ومسطحة أشعة الشمس الساطعة والطقس الدافئ تملأ المدينة”. وكان سيسيمداي مكانًا مفضّلًا للعائلة المالكة حيث كان الملك يمارس الرماية ويقرأ الشعر مع وزرائه.
والآن يقع بيلونداي في موقع مدرسة بايهوا الثانوية للبنات، وسيسيمداي جزء من أراضي مدرسة سيول الوطنية للصمّ، لذا يصعب على عامة الناس الوصول إليهما.
وادي سوسونغ-دونغ
يتمتع وادي سوسونغ-دونغ الواقع إلى الشرق من جبل إنوانغ، بجمال طبيعي خلاب. وفي عصر مملكة جوسون قام النبلاء ببناء منازلهم وأجنحتهم هناك، وفي الصيف كان العلماء يجتمعون للاستمتاع بـ”بونغريو (معناها الحرفي الرياح المتدفقة)” وهو اسم يشير إلى تقدير الطبيعة والتمتع بالشعر والغناء والفنون الأخرى. وفي عام ١٩٧١ تم بناء مجمع شقق أوغين على هذا الوادي، فأفسد بذلك مناظره الطبيعية الجميلة خلال الأربعين عاما التالية تقريبا. وبعد اكتمال هدم المجمع في عام ٢٠١٢، استعاد الوادي مظهره السابق أخيرًا ثم بعد صيانة مسارات المشي حول الوادي أصبح مكانًا مثاليًّا للاسترخاء.
وتحتوي “واندانغ سونساينغ جونجيب”، مختارات أعمال كيم جونغ-هي، وهو عالِم وخطّاط في أواخر عصر جوسون (١٧٨٦ – ١٨٥٦ م)، وفيها قصيدة عن وادي سوسونغ-دونغ. وتبدأ القصيدة بالسطر التالي؛ “بمجرد دخول الوادي لا أخطو سوى بضع خطوات
تحت قدميّ يزمجر ويجلجل الرعد”.
ويقول كيم في هذه القصيدة أيضا “حتى لو أذهب نهارًا يبدو وكأنني في الليل”.
وفي الصيف الماضي استمرت الحرارة الشديدة في سيول حتى بعد انتهاء تشوسو، وهو اليوم المعروف بأن الجو الحار يتغير فيه إلى جو أكثر برودة مع اختفاء البعوض. وبعد عدة أيام من هطول الأمطار الغزيرة التي تلت ذلك، تجوَّلت في الوادي في وقت مبكر من صباح أحد الأيام وأنا أحمل مظلتي في يدي. وكان ما يزال مغطى بالظلام ويملؤه صوت المطر. ووقفت أمام جسر غيرين الحجري وسمعت صوت الماء الواضح وأدركت بشكل تامّ المشاعر الشعرية التي عبّر عنها كيم جونغ-هي في الظلام. وكان الماء المتدفق من الجبل يتناثر على الصخور محدِثاً صوتًا مبهجًا ومنعشًا.
كان وادي سوسونغ-دونغ معلما مشهورا للعلماء خلال عهد سلالة جوسون. ويتمتّع جسر غيرين الذي تم بناؤه هنا بالربط بين لوحتَيْن حجريتين يبلغ طولهما ٣.٨ أمتار، بأهمية تاريخية باعتباره الجسر الحجري الوحيد داخل سور هانيانغ الذي يحافظ على شكله الأصلي.
© شتر ستوك
إطلالات على سيول
افتُتح طريق بوغاك الذي يمتدّ عبر سفح الجبل في عام ١٩٦٨. وتم بناؤه لتعزيز الأمن حول المقر الرئاسي بعد غارة شنّها متسلّلون من كوريا الشمالية. ويبدأ الطريق ذو الحارتَيْن في ساجيك-دونغ ويقع فيه مذبح ساجيك، ويمتّد شرقًا لمسافة ١٠ كيلومترات تقريبًا على طول سلسلة جبل بوغاك، ويربط بين جبلَيْ إنوانغ وبوغاك. وفي عام ١٩٨٤ تم تقسيم الطريق إلى قسمَيْن عند تشانغإوي-مون، البوابة الشمالية الغربية لسور مدينة سيول القديمة، التي يرجع تاريخها إلى عهد سلالة جوسون. وأصبح الطريقان الجديدان يُطلق عليهما اسم “إنوانغ سكاي واي” و”بوغاك سكاي واي”. ويُعرف الأخير بجناحه الرومانسي “بال غاك جونغ” الواقع في أعلاه.
ويقودك السير على طول الطريقَيْن في اتجاه بوابة تشانغإوي إلى موموداي، وهو مرصد على جبل إنوانغ. وفي الأيام الصافية يوفّر منظرًا بانوراميًا واضحًا للبيت الأزرق وقصر غيونغبوك ومعالم سيول الأخرى، بما في ذلك برج إن سيول على جبل نام، وبرج لوتي العالمي في منطقة سونغبا الواقعة جنوب شرق المدينة. ويمكن سماع نباح الكلاب في سوتشون بصوت خافت ورؤية الحافلات المحلية والدراجات تتّجه نحو وادي سوسونغ-دونغ أيضا.
كان جبل إنوانغ محظورا على الناس لسنوات عديدة بسبب إنشاء حوالي ٣٠ نقطة حراسة عسكرية هناك. وتم السماح لهم بدخوله في عام ٢٠١٨ بعد هدم معظم هذه النقاط، وتحوّل بعضها إلى مساحات راحة عامة. وتظهر الصورة “مأوى في الغابة”، وهو مسكن سابق للحرّاس تم تجديده كمساحة ثقافية.
© استوديو كين
ويستغرق أقصر طريق من هنا إلى سور هانيانغ، سيول القديمة، حوالي ١٥ دقيقة سيرًا على الأقدام عبر الدرج الخشبي المقابل لمتجر تشوسو للكتب. وفي أعلى الدرج يظهر الجدار المنخفض الذي يتم تغطيته بالحجارة، كعمود فقري لجبل إنوانغ. وعندما كنت في الطريق إلى القمة مع النظر إلى سلسلة الجبل داخل سور المدينة وخارجها، شعرت وكأنني أركب على ظهر نمر يقف على رجلَيْه الخلفيتين.
وكان جبل إنوانغ الذي تسلّقته تحت المطر، مغطى بالضباب الكثيف الذي يجعله يبدو فارغًا. وفي كل مرة غيّرت فيها الرياح اتجاهها مع هطول المطر الخفيف، كانت جبال آن وبوغاك ونام تظهر رؤوسها في لمحةٍ. ولم يسعني إلا أن أتساءل أهكذا كان الشكل الذي بدت به هانيانغ في نظر الملك تايجو، مؤسس مملكة جوسون، عندما تسلّق جبل إنوانغ لاختيار العاصمة.