أطلقت الكوريتان التبادل الموسيقي قبل حوالي ٣٠ عاما، وبدأتا تسلطان الضوء على الموسيقى الشعبية منذ حوالي ٢٠ عاما على وجه الخصوص، ولا يقتصر لقاء الكوريتين اللتين تختلفان في الأيديولوجيا والنظام السياسي في طريق الموسيقى على مجرد نوع من التبادل الثقافي، بل إنه يشير إلى جهودهما الحثيثة لتعزيز المصالحة والسلام بهدف استعادة هويتهما كدولة واحدة.
قيم في ١١ في الحفل الموسيقي ألوركسترا " سام جي يون"الذي أُ فبراير عام ٨١٠٢ على المسرح الوطني الكوري بسيول، تغني المغنية " سوهيون( "الرابعة من اليسار)من فرقة جيل الفتيات مع الفنانين الكوريين الشماليين.أرسلت كوريا الشمالية وفدا رسميا إلى دورة األلعاب األولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ.وفي ٨ فبراير، قيم حفل موسيقي آخر في مدينة " غانغ نونغ"، وهي من المدن التي أُ استضافت األلعاب األولمبية الشتوية
في ٨ فبراير ٢٠١٨، قبل يوم واحد من افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ في كوريا الجنوبية، هدأت الرياح البحرية العاصفة في «غانغ نونغ»، وهي مدينة تقع على الساحل الشرقي بالقرب من الملاعب الأولمبية. وفي المساء، ارتفعت درجة الحرارة إلى ست درجات مئوية. وفي ذلك اليوم، أقيم الحفل الموسيقي لأوركسترا «سام جي يون» من كوريا الشمالية في مركز «غانغ نونغ» الثقافي. وتكونت الأوركسترا التي أرسلتها الحكومة الكورية الشمالية بشكل رسمي إلى الجنوب للاحتفال بالدورة الأولمبية الشتوية من ١٤٠ عضوا من العازفين والمغنين والراقصين المميزين من فرقة «سام جي يون» وفرقة «مو ران بونغ» والأوركسترا السيمفونية الوطنية.
وعلى الرغم من تحسّن الجو فقد ظل حضور الحفل الموسيقي يشعرون بالقلق البالغ إلى أن انتهى الحفل وأسدلت ستارته، لأنه كان يبدو أن وقوع الحرب في شبه الجزيرة الكورية أصبح وشيكا قبل بضعة أشهر. وأطلقت بعض وسائل الإعلام الكورية الجنوبية على قائدة الأوركسترا «هيون سونغ-وول» لقب «الفتاة النووية»، وهو محاكاة ساخرة للأوبرا الثورية الكورية الشمالية المشهورة «فتاة الزهور»، متوقعة أن تستغل كوريا الشمالية هذا الحفل الموسيقي كفرصة لنشر الدعاية السياسية.
ومع ذلك، فإن أجواء القلق التي أحاطت بقاعة الحفل تبددت مع بدء الحفل الموسيقي بأغنية «سعدنا بلقائكم»، ولوحظ أن العروض الموسيقية والأغاني التي تعبّر عن الإنسانية والمشاعر العامة البعيدة عن الأيديولوجيا السياسية حظيت بإقبال حار ومشاركة واسعة من الحضور.
موجة الأغاني الجنوبية
قامت الأوركسترا الكورية الشمالية بجهود مكثفة وعمل دقيق ودؤوب للتحضير لهذا الحفل الذي عُقد في الجنوب قبل ١٦ عاما. وقد جذبت تقنية المزج السمعي لدى الجانب الشمالي أنظار المتخصصين الجنوبيين، حيث حضر مهندسان شماليان مختصان بآلات المزج السمعي لاستخدامها في الحفل الموسيقي، وأشاد المتخصصون الجنوبيون المسؤولون عن تسجيل العرض للبث التلفزيوني بالتناغم الطبيعي والانسجام المتميز بين أصوات المغنين وأصوات الآلات الموسيقية الذي حققه المهندسان، كما كانت تقنية الإضاءة ممتازة أيضا، حيث حددت الأضواء مواقع الفنانين الرئيسين بدرجة عالية من الدقة لدرجة أن ذلك بدا وكأنه غير طبيعي.
وكانت أزياء الفرقة وتصفيف شعر الفنانين على الطراز القديم وتعكس فكرة «الجماعية» لكوريا الشمالية التي تؤكد على الوحدة والتطابق، ومن اللافت للنظر في ذلك الحفل أن العازفين لم يكونوا يلقون النظر على نوتاتهم الموسيقية أثناء عزف النغمات المتعددة التي تمتد من الموسيقى الكلاسيكية حتى الموسيقى الشعبية إلا في أحيان نادرة، وفي ذلك دلالة واضحة على استعدادهم الكافي وعملهم الدؤوب.
عزفت الأوركسترا الشمالية ١٣ أغنية كورية جنوبية، اثنتان منها احتجاجيتان معروفتان في كوريا الشمالية، والأغاني الإحدى عشرة الباقية كانت أغاني شعبية خالية من أي مضامين سياسية، وتكررت في هذه الأغاني كلمات «حب» و»دموع» و»وداع» كثيرا، وهذه الأغاني في قاموس الأيديولوجيا الشيوعية تحمل «الرياح الصفراء التي تَهبّ من تلقاء الرأسمالية» التي تندد بها حكومة كوريا الشمالية صباح مساء. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو، لماذا تحملت الأوركسترا الشمالية عبء عزف هذه الأغاني المحظورة ؟ لعل السبب والجواب المنطقي هو أن الأوركسترا الشمالية حاولت تعزيز التفاهم بين الجانبين والتغاضي عن بعض الخلافات والاختلافات في الحياة والأفكار وكسر الحواجز العاطفية بينهما بالعمل على تلبية أذواق الحضور الكوريين الجنوبيين.
وعلاوة على ذلك، فقد تأثرت الأوركسترا الشمالية بالفنانين الكوريين الجنوبيين الذين أدوا بعض العروض في كوريا الشمالية بشكل متقطع منذ عام ١٩٩٩. وتضمن الحفل تقديم بعض الأغاني التي تم أداؤها في كوريا الشمالية سابقا، وهي أغنية «وداع» التي غنتها المطربة «باتّي كيم» عام ١٩٩٩ وأغنية «متاهة الحب» التي غنتها «تشوي جين-هي» عامي ١٩٩٩ و٢٠٠٢ وأغنية «إلى جي» التي غنتها «لي سون-هي» عام ٢٠٠٣.
.قدمت فرقة " يون دو-هيون"عرضا في الحفل الموسيقي المشترك بين الكوريتين قيم في صالة جونغ جو يونغ لأللعاب الرياضية في بيونغ يانغ.كما أن هذه الفرقة شاركت في الحفل الموسيقي " أهال!كوريا الموحدة"الذييم بتنظيم من شركة إم بي سي التلفزيونية عام ٢٠٠٢ على مسرح شرق بيونغ يانغ الكبير.
دوافع التبادل الثقافي
يعود تاريخ التبادل الموسيقي بين الكوريتين الجنوبية والشمالية إلى عام ١٩٨٥، حيث اتفقتا على تنظيم حفل موسيقي في عاصمة كل منهما في شهر سبتمبر من ذلك العام بالتزامن مع اتفاقية لَمّ شمل الأسر الكورية الأول، تلك الأسر التي فرّقها وشتّت شَمْلها تقسيم شبه الجزيرة الكورية بعد الحرب. وبعث كلا الجانبين وفدا من ٥٠ فنانا لإقامة الحفل الموسيقي ذاك، لكن عروضهم لم تحظ بإقبال من الطرفين. واعتبر الشماليون عروض الموسيقى والرقص الشعبي التقليدي التي قدمها الجانب الجنوبي «إقطاعية متخلفة ومنحطة»، بينما رأى الكوريون الجنوبيون أن العروض الشمالية « مكررة بشكل مفرط وخارجة عن التقاليد الكورية الموروثة».
على الرغم من ذلك، فقد استمر التبادل الثقافي بين الكوريتين واُقيمت الحفلات الموسيقية في سيول وبيونغ يانغ بالتناوب منذ ذلك الوقت. وكذلك انطلق التبادل الثقافي الشعبي عام ١٩٩٩، حيث أقامت شبكة سيول التلفزيونية «إس بي إس» «الحفل الموسيقي للسلام والصداقة عام ٢٠٠٠» في مركز «بونغ هوا» الثقافي في «بيونغ يانغ» في شهر ديسمبر من ذلك العام. وكان الحفل عرضا مشتركا بين شبكة «إس بي إس» والمغني روجر كلينتون، شقيق الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. وبعد ذلك، في ٢٢ ديسمبر، أقامت شركة مونهوا التلفزيونية «إم بي سي» «حفلا موسيقيا لتوحيد الشعب» في المكان نفسه.
وقد كان الحفل الموسيقي لشبكة «إس بي إس» أول حدث ثقافي نظمته شركة الإذاعة والتلفزيون الكورية الجنوبية على أراضي كوريا الشمالية وسط أجواء من الانفراج التي أشاعتها «سياسة ضوء الشمس» التي تبنتها إدارة الرئيس الكوري الجنوبي السابق «كيم داي-جونغ»، حيث سلط الحفل الموسيقي الضوء على الاختلافات الاجتماعية والثقافية عن طريق عرض أحدث نسخة من الثقافة الشعبية الكورية الجنوبية التي مثّلها الجيل الأول من فرق البوب الكوري، ولا سيّما فرقة «جيكس كيز» وفرقة «فين كل». أما الحفل الموسيقي الذي نظمته شركة «إم بي سي» التلفزيونية فقد قدم عرضا للأغاني الشعبية المعاصرة إضافة إلى الأغاني الفلكلورية التقليدية والأغاني الشعبية التي تعود إلى عصر الاحتلال الياباني بهدف التأكيد على التجانس الثقافي بين الكوريتين.
وفي ٢٧ سبتمبر عام ٢٠٠٢، نظمت شركة «إم بي سي» التلفزيونية فعالية موسيقية بعنوان «لي مي-جا؛ اشتملت على حفل موسيقي خاص» على مسرح شرق بيونغ يانغ الكبير، وفي اليوم التالي أقيم حفل موسيقي آخر بعنوان «أهلا! كوريا الموحدة»، وفي هذا الحفل أدهش مغني الروك «يون دو-هيون» وفرقته الحضور الكوريين الشماليين بأسلوبه المذهل في أداء الأغنية الفلكلورية الخالدة «آه ري رانغ».
استمر التبادل الثقافي بين الكوريتين على الرغم من الكثير من الصعوبات والعقبات، حيث زار الفنانون الجنوبيون الشطر الشمالي في مناسبات كثيرة، منها الحفلات الموسيقية الشعبية التي أقيمت هناك، وكانت زيارات الفنانين الجنوبيين المتبادلة أكثر من زيارات نظرائهم الشماليين.
وفي ١١ أغسطس عام ٢٠٠٣، أقامت شبكة كوريا التلفزيونية «كي بي إس» «مسابقة بيونغ يانغ الغنائية» في حديقة «مو ران بونغ»، وكانت هذه المسابقة ضمن برنامج متسلسل طويل الأمد أُطلق عام ١٩٧٢ في كوريا الجنوبية.
وكذلك شاركت شبكة «إس بي إس» في هذه الجهود الفنية المشتركة بين الكوريتين، فأقامت «الحفل الموسيقي في سبيل التوحيد احتفالا بافتتاح صالة جونغ جو يونغ للألعاب الرياضية» في أكتوبر عام ٢٠٠٣، وهذه الصالة الرياضية بنتها مجموعة هيونداي الكورية الجنوبية بالتعاون مع حكومة كوريا الشمالية. وبهذه المناسبة، عبرت مجموعة من الفنانين والمراقبين بلغ عددهم نحو ١١٠٠ شخص خط الهدنة لزيارة بيونغ يانغ. وهذا الحفل الموسيقي هو الأول الذي يُقام في صالة للألعاب الرياضية بكوريا الشمالية.
وكذلك نظمت شبكة «إس بي إس» حفلا موسيقيا للمغني الكوري الجنوبي المشهور «جو يونغ-بيل» في نفس المكان في أغسطس عام ٢٠٠٥. وعلى الرغم من مطالبات كوريا الشمالية المتكررة بإقامته، فقد تأجل هذا الحفل الموسيقي سبع مرات خلال سنة نتيجة لعدم سماح الحكومة الكورية الجنوبية بزيارة الشمال لبعض المواطنين الذين رغبوا في حضور الاحتفال بالذكرى العاشرة لوفاة الزعيم الشمالي السابق «كيم إيل-سونغ».
وهكذا نرى أن الموسيقى الشعبية مثّلت، وما تزال تمثّل، جزءا كبيرا من أنشطة التبادل الثقافي العابر للحدود في شبه الجزيرة الكورية، حيث زار الفنانون الجنوبيون الشطر الآخر من كوريا أكثر مما فعل نظراؤهم الشماليون. وإذا نظرنا إلى تاريخ التبادل الثقافي، نرى بأنه تاريخ الحفلات الموسيقية الشعبية الذي نظمته شركات الإذاعة والتلفزة الكورية الجنوبية، وقد اعترضت هذا التبادل الثقافي بعض العقبات والصعوبات ترجع إلى عدة أسباب، منها أن الظروف الداخلية في كوريا الشمالية عرقلت زيارة بعض الفنانين الشماليين للشطر الجنوبي.
والملاحظة الإيجابية التي يمكن تسجيلها هنا أن الموسيقى الشعبية تُعتبر أسهل وسيلة لتعزيز التفاهم والتعاطف بين مواطني الجنوب والشمال، مقارنة بأنواع أخرى من الفنون، وأن تنظيم الحفلات الموسيقية الكبيرة يتطلب توفر الأموال والموظفين المهرة، لا يمكن ضمان تحقيق ذلك إلا من خلال شبكات تلفزيونية كبرى.
ظهور فرقة «مو ران بونغ»
أثّرت أنشطة التبادل الثقافي بين الكوريتين اللتين تختلفان في النظام السياسي تأثيرا ملموسا على كلا المجتمعين، والدليل على ذلك أن الحفل الموسيقي الأخير لأوركسترا «سام جي يون» ساهم بشكل كبير في تحسين الصورة السلبية العدوانية عن كوريا الشمالية والارتقاء بوعي المجتمع الكوري الجنوبي اتجاه التوحيد بين الكوريتين بشكل سلمي. وإذا كان من الممكن رصد تأثير التبادل الثقافي على الكوريين في الشطر الجنوبي فإنه من الصعب، بل من المتعذَّر تقييم مدى تأثير عروض الفرق الموسيقية الجنوبية على المجتمع الشمالي لأن وسائل الإعلام الكورية الشمالية لم تتحدث عن الزوار الجنوبيين وأنشطتهم إلا في حالات نادرة، علاوة على أن الحضور الشماليين امتنعوا عن إظهار أي استجابة ذات معنى، لأنهم غير قادرين على إظهار إعجابهم بالأغاني الشعبية الكورية الجنوبية التي تُمنع في حياتهم اليومية أصلا.
.يغني سكان مدينة بيونغ يانغ ويهتفون في " الحفل الموسيقي لوفد الفنانين الكوريين الجنوبيين أمال بالسالم والتعاون بين الكوريتين؛ الربيع على األبواب"الذي انعقد في ١ أبريل الماضي في مسرح شرق بيونغ يانغ الكبير.
ومع ذلك نرى أن عروض فرقة «مو ران بونغ» الشمالية تشير إلى مدى تأثير العروض الجنوبية بشكل غير مباشر على المجتمع الشمالي، فهذه الفرقة الموسيقية تتكوّن من ٢٠ مغنية وعازفة تشكلت في أوائل عام ٢٠١٢ بتوجيه من رئيس هيئة شؤون الدولة «كيم جونغ أون»، وهو لقب رسمي للزعيم الكوري الشمالي، وقد حظيت هذه الفرقة باهتمام كبير من داخل البلاد وخارجها بسبب أزياء أعضاء الفرقة الأنيقة وحركات الرقص غير المقيدة، فضلا عن جمالهن الرائع.
ولعل خروج هذه الفرقة الى النور يعكس رغبة كوريا الشمالية في تغيير صورتها وتحسينها في داخل البلاد وخارجها، وربما يؤيد هذا الرأي أن هذه الفرقة قدمت عروضها في صالة الألعاب الرياضية الكبيرة، في الوقت الذي تدافع فيه حكومة كوريا الشمالية عن فكرة أن الأحداث الفنية والثقافية لا تُقام إلا في المسارح، أما الأحداث الرياضية فمكانها صالات الألعاب الرياضية.
وانطلاقا من هذه الفكرة، فقد اعترضت كوريا الشمالية بقوة على إقامة الحفل الموسيقي للبوب الكوري الجنوبي في صالة الألعاب الرياضية في بيونغ يانغ، لكن حكومة الشمال تخلت عن هذه الفكرة بعد النجاح الكبير الذي حققه الحفل الموسيقي الذي أقامه الجانب الجنوبي في صالة الألعاب الرياضية وبدأت تحذو حذو كوريا الجنوبية، فباتت تنظم معظم حفلات فرقة «مو ران بونغ» في صالات الألعاب الرياضية التي يمكنها أن تستوعب عددا كبيرا من الحضور وتسمح بتنويع تصاميم المسرح.
وعلاوة على ما سبق ذكره، بدأت فرقة «مو ران بونغ» تستخدم رافعة الكاميرا التي تُستخدم عادة في تصوير العروض الكبيرة الحجم أو الأحداث الرياضية لأنها تتيح للكاميرات حركة واسعة النطاق لتتمكن من التقاط مشاهد أكثر دينامية وحيوية، ورافعة الكاميرا هذه اُستخدمت لأول مرة في أراضي كوريا الشمالية عندما أقيم «الحفل الموسيقي في سبيل التوحيد احتفالا بافتتاح صالة جونغ جو يونغ للألعاب الرياضية» عام ٢٠٠٣. حينئذ، أهدت الشركة الكورية الجنوبية التلفزيونية رافعة واحدة للكاميرا للجانب الشمالي بعدما أبدى الجانب الشمالي رغبة في امتلاك مثل رافعة الكاميرا هذه.
وتحت «شعار الربيع على الأبواب» زارت مجموعة من الفنانين الجنوبيين بيونغ يانغ في أبريل الماضي ردا على زيارة أوركسترا «سام جي يون» لكوريا الجنوبية، وقد جاء هذا الحدث التاريخي بعد ١٣ عاما على إقامة الحفل الموسيقي للمطرب «جو يونغ-بيل» عام ٢٠٠٥، وكان عنوانه الرسمي «الحفل الموسيقي لوفد الفنانين الكوريين الجنوبيين أملا بالسلام والتعاون بين الكوريتين».
منذ تقسيم شبه الجزيرة الكورية تخوض الكوريتان سباق تسلح شرسا سعيا لتحقيق استقرار نظاميهما السياسيين، وهذا يعني فيما يعنيه أن السلام ما يزال بعيدا، وأن الأعباء الاقتصادية تتزايد على عاتق المواطنين. لكن الناس في هذه الأيام يرفعون أصواتهم قائلين إن الوقت قد حان للتخلص من هذه المنافسة التي لا نهاية لها وتحقيق الازدهار المشترك عن طريق التعاون والتفاهم. وفي هذا السياق، يُعتبر التبادل الفني والثقافي أفضل وسيلة لتعزيز الصداقة والعلاقات الودية. ولعل عدد الحفلات الموسيقية القليل لا يكفي لهدم جدران العدوانية وعدم الثقة. لكن، إذا استمرت هذه الجهود على المدى الطويل، سيطرق ربيع المصالحة أبوابنا.
البوب الكوري الجنوبي في الشطر الشمالي
تصدرت فرقة «بي تي إس» المعروفة أيضا باسم «فتيان بانغتان» قائمة بيلبورد ٢٠٠ في يونيو من هذا العام بألبومها الثالث «أحب نفسك؛ دموع». وكانت هذه أول مرة يحتل فيها ألبوم غير إنجليزي قائمة الألبومات الرئيسة لبيلبورد منذ ١٢ عاما. وهكذا، ينتشر البوب الكوري اليوم في شتى أنحاء العالم، بل إنه يحظى بإقبال الشباب في المجتمع الكوري الشمالي المنغلق أيضا.
تصدرت فرقة " بي تي إس"المعروفة أيضا باسم " فتيان بانغتان"قائمة بيلبورد ٠٠٢ في يونيو الماضي بألبومها الثالث " أحب نفسك؛ دموع." وتحظى الفرقة بشعبية كبيرة بين الشباب الكوريين الشماليين
في العام الماضي هرب جندي شمالي يُدعى «أو تشونغ-سونغ» إلى كوريا الجنوبية، وأثناء هروبه وعبوره الحدود في «بان مون جوم» أُصيب بخمس طلقات نارية، وقد أدهش الجميع بقوله إنه يحب فرقة «جيل الفتيات» الكورية الجنوبية. وفي ربيع هذا العام، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالة عن الحفل الموسيقي الذي أقيم في بيونغ يانغ وشارك فيه فنانون وموسيقيون جنوبيون مع التركيز على فرقة «المخمل الأحمر» للفتيات. وكان عنوان المقالة «هل يمكن أن تتعامل كوريا الشمالية مع غزو البوب الكوري؟».
يُقال إن حكومة كوريا الشمالية تفرض قيودا صارمة على نشر ومشاهدة الفيديوهات من كوريا الجنوبية خوفا من أن تُفسد هذه المنتجات الرأسمالية «المنحطة» الشعب الكوري الشمالي. ومع ذلك، فإن الفيديوهات الكورية الجنوبية تنال شعبية كبيرة في المجتمع الكوري الشمالي وتنتشر على نطاق واسع رغم حظر الحكومة. ولا يتداول الكوريون الشماليون الفيديوهات الموسيقية فحسب بصورة سرية، بل إنهم يتداولون فيديوهات الموسيقى التصويرية للأفلام والمسلسلات التلفزيونية كذلك.
النشر رغم التقييد
في هذه الأيام، تنتشر أغاني البوب الكورية الشهيرة في كل من كوريا الجنوبية والشمالية في آن واحد لأن أقراص الفيديو الرقمية وذاكرات الفلاش التي تحتوي على أغاني البوب الكوري تُهرب إلى الشمال من الصين. فعلى سبيل المثال، عندما اجتاحت أغنية «غانغ نام ستايل» للمغني «ساي» شتى أنحاء العالم عام ٢٠١٢، اكتسبت شعبية واسعة في كوريا الشمالية أيضا.تُستخدم ذاكرات الفلاش التي تُدعى في كوريا الشمالية باسم «بطاقة ذاكرة على شكل العصا» على نطاق واسع لمشاهدة الأفلام الكورية والاستماع إلى الأغاني الكورية لأنها سهلة الحمل والإخفاء. وفي هذه الأيام، تُهرب أجهزة «إم بي ٥» لمشاهدة الفيديوهات العالية الدقة من الصين إلى الشمال أيضا. ويتميز مشغل «إم بي ٥» بسعة التخزين وسهولة الإخفاء لأن بطاقة الذاكرة الصغيرة التي تُركب عليها أصغر من ذاكرة الفلاش.
لقد أتاح انتشار مشغلات «إم بي ٥» للشباب الكوريين الشماليين مشاهدة فيديوهات البوب الكوري بسهولة أكبر. والآن، لا يستمع الشباب الشماليون إلى الأغاني الجنوبية فحسب بشكل سري، بل إنهم يتابعون أخبار مظاهر المطربين الجنوبيين وحركاتهم وموضات الأزياء وتسريحات شعرهم أيضا. وذلك يؤدي إلى إصابتهم بالصدمة الثقافية بشكل أعمق.
.تغني فرقة المخمل األحمر أغنية " طعم أحمر" وأغنية " فتى سيئ"أمام الحضور الكوريين قيم في أبريل الشماليين في الحفل الموسيقي الذي أُ الماضي في بيونغ يانغ
الصدمة الثقافية
تعتمد كوريا الشمالية على الأغاني كوسيلة للحفاظ على نظامها السياسي منذ وقت طويل، وقد أولت الحكومة الشمالية أهمية كبيرة للموسيقى في الحرب الأيديولوجية، انطلاقا من فكرة مفادها أنه «يمكن أن تحل أغنية واحدة محل ١٠ ملايين جندي». وعلى الرغم من هذه الخلفية الاجتماعية فإن الشباب الكوريين الشماليين يحبون أغاني البوب الكوري لأنها لا تحتوي على الأفكار الأيديولوجية والدعاية السياسية، بل تحمل المشاعر الإنسانية العامة لدى البشر مثل ما تحمل كلمات أغنية «صديق» للمغني «آن جاي-ووك»، وهي أشهر أغنية كورية جنوبية في الشمال.
وقد وافق كثير من الكوريين الشماليين المنشقين على أن معظم الأغاني الكورية الشمالية تنشر الدعاية السياسية وتمجد زعماءها، أما الأغاني الكورية الجنوبية فإنها تعبر بصراحة عن المشاعر الإنسانية التي يشترك فيها كل البشر، لذلك فالاستماع إليها يجلب المتعة والمشاركة الوجدانية.
ربما كان انتشار البوب الكوري في كوريا الشمالية يساهم بشكل جزئي في توسيع الفجوة بين الأجيال والفئات الاجتماعية، فجيل الشباب في كوريا الشمالية يطلق عليه اسم «جيل السوق»، فقد أدت الصعوبات الاقتصادية القاسية التي واجهها الشعب الشمالي خلال الفترة ما بين منتصف التسعينيات من القرن الماضي وأوآخره إلى اعتلال نظام الرعاية الاجتماعية للدولة الذي وفر خدمات التعليم والرعاية الصحية والاحتياجات الأساسية مجانا، ذلك النظام الذي طالما تبَجَّحت به الحكومة الشمالية داخليا وخارجيا.
وتدل عبارة «جيل السوق» على أولئك الشباب الذين وُلدوا في فترة التسعينيات ولم يتمتعوا بمزايا الرعاية الاجتماعية الاشتراكية، وهذا الجيل من الشباب هو الأكثر مقاومة للضوابط والقيود الحكومية مقارنة بالأجيال الأكبر سنا.
ويُعد البوب الكوري حافزا يشجع الشباب على التمرّد والخروج على القيم والتقاليد المتوارثة، أما الذين ينتمون إلى الأجيال الأكبر سنا فإنهم يمتلكون «روح الرصاص والقنابل البشرية» وموالون للحكومة نتيجة التلقين الحكومي. في حين أن روح التضامن لدى جيل الشباب أضعف من الأجيال الأخرى. وربما بسبب روح التمرد يواصل الشباب الشماليون بجرأة مشاهدة الفيديوهات الجنوبية غير عابئين بالقيود المشددة والمراقبة على محتويات الثقافة الشعبية الكورية الجنوبية، لأنهم يرون أن أغاني البوب الكوري والرقص على أنغامها تجعلهم متفوقين على الآخرين من نفس الجيل، ويعد البعض أولئك الذين يقدرون على الغناء والرقص على أغاني البوب الكوري أشخاصا مستنيرين.
جيل السوق
نظرا لهذه الظروف، يبدو أن الحكومة الشمالية تجد نفسها مضطرة لقبول بعض التغييرات الثقافية وغض الطرف عن انتهاك الشباب قيود المراقبة إلى حد ما. وفي هذا السياق، تسعى السلطات الشمالية إلى مواجهة موجات الثقافة الرأسمالية من خلال تطوير نوع جديد من الموسيقى الاشتراكية، بدلا من فرض المزيد من القيود.
وتشير سياسة حكومة كوريا الشمالية التي تعمل على تلبية الاحتياجات العالية المستوى من الشعب إلى رغبتها في قبول المطالبات المتغيرة لدى شعبها من خلال توفير نوع جديد من المنتجات الثقافية، وفرقة «مو ران بونغ» التي تأسست بتوجيه الزعيم «كيم جونغ أون» خير مثال على ذلك، ويُلاحظ أن موضات الأزياء وتسريحات الشعر لعضوات الفرقة تختلف عن الموضات التي تتبعها النساء الشماليات العاديات، وتذكر أغانيهن وحركات رقصهن بفرق الفتيات الكورية الجنوبية.
لا يتوقف الجيل الجديد عن التمتع بأغاني البوب الكوري ومحتويات الثقافات الأجنبية الأخرى على الرغم من القيود الحكومية الصارمة. وأي تغييرات جديدة تظهر على هذا الجيل الجديد قد تكون بوادر وإرهاصات لمستقبل نظام كوريا الشمالية. ولهذا السبب نسلط الضوء على تأثيرات البوب الكوري على المجتمع الكوري الشمالي.