تقع منطقة «جونغ دونغ» في قلب سيول، حيث أُعلن فيها عن ولادة الإمبراطورية الكورية واتخذت البعثات الدبلوماسية منها أول مقر لها وقطنها المبشرون المسيحيون والمستشارون التقنيون الأجانب. وأصبحت هذه المنطقة معرضا للحضارة الغربية الحديثة التي سعى الإمبراطور الكوري إلى محاكاتها. لكن احتلال اليابان للأراضي الكورية، حطم حلمه بدولة مستقلة قوية، فانهارت الإمبراطورية الكورية عام ١٩١٠ بعد ١٣ عاما على تأسيسها.
قاعة العرش في قصر دوكسو محاطة بقاعات القصر التقليدية والمباني على الطراز نيت في أوائل القرن العشرين. الغربي التي بُ شار إلى أن غوجونغ، وهو الملك السادس و يُ والعشرون لمملكة جوسون، أعلن من هذا القصر تحويل مملكة جوسون إلى إمبراطورية كوريا عام ٧٩٨١ وشرع في القيام باألنشطة الدبلوماسية.لكن اإلمبراطورية الكورية فقدت سيادتها عام ٠١٩١ © مكتب اإلدارة لقصر دوكسو
فتحت كوريا أبوابها أمام الدول الغربية في الثمانينيات من القرن التاسع عشر، مما أسفر عن تغيير جذري في منطقة «جونغ دونغ». عادة ما كان يسكن مسؤولو الحكومة والنبلاء في الأحياء القريبة من قصر غيونغبوك الذي يسكنه الملك. كما أن هذه المنطقة جذبت المبعوثين من الدول الغربية الذين رغبوا في بناء العلاقات مع الحكومة الملكية.
كان أول أجنبي قَطن هذه المنطقة الأمريكي لوسيوس هاروود فوت. ففي عام ١٨٨٢، وقعت كوريا والولايات المتحدة الأمريكية على معاهدة السلام والصداقة والتجارة والملاحة التي أُطلق عليها اسم معاهدة شوفيلت، ثم بعثت واشنطن فوت لإقامة البعثة الأمريكية في كوريا. اشترى فوت بيتا جديدا في منطقة جونغ دونغ من عائلة نبيلة عام ١٨٨٤. وسرعان ما تبعه في ذلك المبعوثون من بريطانيا وروسيا وفرنسا وبنوا المباني الفاخرة على الطراز الغربي التي أظهرت ثروتهم وقوتهم، غير أن فوت اشترى بيتا تقليديا كوريا يُسمى بـ»هانوك» واتخذه مقرا للبعثة الأمريكية. ولا يزال هذا البيت التقليدي الكوري الصغير موجودا إلى الآن في سكن السفير الأمريكي، ويُعتبر من أقدم الممتلكات الخارجية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد تحولت منطقة جونغ دونغ إلى مركز للبعثات الدبلوماسية وأصبحت تُسمى بـ»الحي الدبلوماسي» أو «الشارع الدبلوماسي». وسرعان ما أُنشئت الفنادق والمتاجر فيها تلبية لاحتياجات المبعوثين الدبلوماسيين وزوارهم. وبالفعل، سكن معظم الأجانب القادمين إلى سيول في منطقة جونغ دونغ، مما أدى إلى تغيير في طبيعة المنطقة.
وكذلك وصل المبشرون المسيحيون إلى هذه المنطقة، فقد أقامت الكنيسة المشيخية الأمريكية الشمالية والكنيسة الميثودية الأمريكية الشمالية مراكز لها للتبشير في جوار البعثة الأمريكية، ثم افتتحت المدارس الحديثة والمستشفيات التي أدارها المبشرون الأجانب، بما فيها مدرسة باي جاي ومدرسة إيهوا ومدرسة غيونغسين التي لا تزال تُعتبر ضمن المدارس الراقية في كوريا. وبذل المبشرون الأجانب جهودا طيبة لتعليم الفتيات الكوريات اللواتي استبعدتهن المدارس الكورية من الحصول على التعليم آنذاك. ورأى الكوريون الذين عاشوا في ذلك العصر أن هذه المنطقة تمثل رمزا للعصر الحديث والعالم الغربي.
في هذه الصورة الفوتوغرافية التي اُلتقطت عام ١١٩١، يقف الملك يونغتشين آخر ولي عهد لمملكة جوسون في الوسط من الصف األمامي مع الموظفين رفيعي المستوى في قاعة الحجر "سوكجو جون."وكان اإلمبراطور غوجونغ يستقبل الوفود األجنبية في هذا المبنى الذي ص ُ مم على طراز العمارة الكالسيكية الجديدة.وتحول المبنى إلى متحف للفنون بعد ضم اليابان لكوريا© متحف القصر الوطني لجمهورية كوريا
يقف رؤساء البعثات األجنبية في هانسونغ، وهو اسم قديم للعاصمة سيول، اللتقاط صورة فوتوغرافية.وقد اُلتقطت هذه الصورة عام ٣٠٩١ بعد اجتماع في البعثة األمريكية بدعوة من المبعوث المفوض األمريكي هوريس إن ألين، وهو الرابع من اليمين
بداية الدولة الحديثة
عام ١٨٩٧، أعلن الملك غوجونغ تأسيس الإمبراطورية الكورية، وأكد أن الإمبراطورية الكورية دولة مستقلة بموجب القانون الدولي تقطع صلتها بنظام العلاقات والروابط الثقافية والتاريخية القائمة منذ قرون في منطقة شرق آسيا التي تسيطر عليها الصين. هذا الإعلان وضع النهاية لمملكة جوسون التي حكمت شبه الجزيرة الكورية منذ عام ١٣٩٢. وأطلق الملك في سن الخامسة والأربعين على فترة حكمه اسم «غوانغمو» الذي يعني حرفيا «المقاتل الساطع» وغير اسمه إلى الإمبراطور غوانغمو، آملا أن تصبح الإمبراطورية الجديدة دولة مزدهرة وحديثة قادرة على حماية سيادتها من أطماع الصين واليابان وروسيا.
كما أن الملك غوجونغ أمر بإعادة بناء قصر غيونغون في جونغ دونغ ليحوّله إلى قصر إمبراطوري جديد. وشجع الملك الذي أطلق على نفسه لقب «حاكم التنوير» على تطبيق التقنيات المعمارية الغربية في بناء مباني قصره الجديد لإظهار إرادته القوية لتحديث البلاد. وأصبحت هذه المباني الجديدة المبنية على الطراز الغربي تمثل العصر الحديث، وكان الاستثناء الوحيد هو قاعة العرش التي بُنيت على الطراز الكوري التقليدي «جونغهوا جون» لتظل رمزا للسلطة التقليدية.
لقد كان نقل الإمبراطور غوجونغ قصره إلى جونغ دونغ لتركيز جهوده على الأنشطة الدبلوماسية، لكنه لم يستطع أن يحصل على الدعم من القوى العالمية التي اعتمد عليها.
هذه صورة لإلمبراطور غوجونغ من ألبوم الصور للعائلة شر عام ٠٢٩١. الملكية الذي نُ وتُظهر الصورة اإلمبراطور غوجونغ قصير الشعر، حيث أزال جبر على عقدة شعره العليا بعد أن أُ التنحي وتولي ابنه سونجونغ العرش عام ٧٠٩١© متحف سيول للتاريخ
ومن ضمن مباني القصر الجديدة، أُنشئ مبنى «جونغ ميونغ جون» الذي يعني «قاعة الضوء الكبير» في الجانب الخلفي من القصر بجوار مقر البعثة الأمريكية. وكان هذا المبنى من طابق واحد على الطراز الغربي واُستخدم مكتبة خاصة بالإمبراطور. ثم جرت إعادة بنائه من الطوب وأُضيف إليه طابق آخر ليصبح من طابقين واُستخدم لإقامة الإمبراطور منذ عام ١٩٠٤. وفي سبتمبر عام ١٩٠٥، استقبل الإمبراطور غوجونغ السيدة أليس روزفلت، وهي ابنة الرئيس الأمريكي الأسبق ثيودور روزفلت، في الطابق الثاني من هذا المبنى. وعلق الإمبراطور الكوري آماله على السيدة روزفلت ووزير الحرب الأمريكي وليام هوارد تافت اللذيْن كانا يقودان الوفد الدبلوماسي الكبير إلى آسيا. واستقبلهما استقبالا حارا متمنيا دعم أميركا للإمبراطورية الكورية، وأهدى إلى أليس روزفلت صورته الفوتوغرافية التي التقطها في ممر المبنى. ومع ذلك، عندما زار الوفد الأمريكي طوكيو عاصمة اليابان، لم يعترض الوزير الأمريكي تافت على ادعاء اليابان بأن احتلالها لشبه الجزيرة الكورية يساهم في استقرار شرق آسيا.
وكان هناك مبنى آخر من طابقين يُسمى بـ»دوندوك جون» ويعني اسمه «قاعة تعزيز الفضيلة»، بُني عام ١٩٠١ لإقامة حفل الذكرى الأربعين لتتويج الإمبراطور غوجونغ. وعلى الرغم من إلغاء هذا الحفل، اُستخدم المبنى الذي صُمم على الطراز المعماري لعصر النهضة والعمارة القوطية لاستقبال الضيوف الأجانب وإقامة الحفلات الكبيرة التي يحضرها مسؤولو الحكومة رفيعو المستوى الذين يرتدون البدلات الغربية.
أما مبنى «سوكجو جون» الذي يعني اسمه «القاعة الحجرية» فإنه يُعد أكبر المباني الغربية الموجودة في القصر حتى الآن. وقد لعب رجلان بريطانيان دورا محوريا في إقامة هذا المبنى. إذ اقترح البريطاني جون ماكيفي براون الذي كان يعمل مستشارا ماليا للإمبراطور بناء هذا المبنى وقام المهندس البريطاني جي آر هاردينغ الذي كان يعمل في شنغهاي بتصميمه. وعلى الرغم من نقص الميزانية الحكومية، علق الإمبراطور آماله على هذا المبنى الكبير من الحجر الذي صُمم على طراز العمارة الكلاسيكية الجديدة معتقدا أن هذا المبنى سيكون رمزا إلى إنجازاته في تحديث البلاد. ولكن للأسف الشديد، اكتمل بناؤه في يونيو عام ١٩١٠، أي قبل شهرين من ضم اليابان لكوريا.
إن الإمبراطورية الكورية شرعت في إقامة مختلف المشاريع التنموية، فقد كانت النخبة الكورية تدرك أن الدول الأخرى كانت تنفذ عملية تحديث في بلادها، وكانت الإمبراطورية الكورية متأخرة في إحداث الثورة الصناعية. ووضع عمدة العاصمة «لي تشاي-يون» الذي سبق له أن عمل في البعثة الكورية لدى واشنطن خطة رئيسة للتنمية الحضرية بمحاكاة نموذج العاصمة الأمريكية واشنطن.
وقادت شركة سيول للكهرباء التي أُسست بأموال الإمبراطور الخاصة مشاريع البنى التحتية الأساسية، ومنها شبكة الكهرباء وخطوط الهاتف والصرف الصحي فضلا عن خدمات القطار والسكة الحديد. وفي عام ١٨٩٩، بدأ تشغيل أول قطار يقطع ٨ كيلومترات من «سوداي مون» في الغرب إلى «تشونغنيانغ ني» في الشرق. وكان خط السكة الحديد هذا الخط الثاني الذي يقام في آسيا بعد كيوتو في اليابان. وبعد ذلك، في عام ١٩٠٠، تم إنارة شارع «جونغنو»، وهو من الشوارع الرئيسة في وسط المدينة، بمصابيح كهربائية لإضاءة ليل سيول.
الجهود الدبلوماسية
منذ تنفيذ سياسة الانفتاح في ثمانينيات القرن التاسع عشر، كان الإمبراطور غوجونغ مصمما على إدخال الحضارة الغربية وتلقي المعلومات الحديثة من المبشرين والمبعوثين الدبلوماسيين والرحالة المشاهير. وأمر بإدخال الكهرباء والهاتف إلى القصر الملكي وتمتع بالأشياء الغربية مثل القهوة في حياته اليومية. وعندما كان يستقبل المبعوثين الدبلوماسيين، كان يرتدي الزي الرسمي الذي يشبه في شكله الزي الرسمي للإمبراطور الألماني وأقام الحفلات على الطراز الغربي والمآدب الرسمية على الطراز الفرنسي.
لقد قام الإمبراطور غوجونغ بتعيين السيدة أنطوانيت سونتاغ التي كانت من أقرباء أول قنصل روسي عام في كوريا مسؤولة استقبال الضيوف الأجانب في القصر. وبنت هذه السيدة الروسية ذات الأصل الألماني فندق سونتاغ في الأرض التي منحها إياها الإمبراطور وقامت بإدارته. كما أن الإمبراطور وظّف حوالي ٢٠٠ أجنبي مستشارين في الوزارات المختلفة أو فنيين لمشاريع البنى التحتية والنقل. وساهم الموظفون الأجانب في إدخال الأنظمة الغربية إلى نظام الإدارة في كوريا، لكنهم فعلوا ذلك لمصلحة أوطانهم. وسكن الكثير منهم في جونغ دونغ بجوار المبشرين والدبلوماسيين وشكلوا جزءا من مجتمع الأجانب الأول في سيول.
لقد بذلت الإمبراطورية الكورية جهودا دبلوماسية كبيرة لكي تصبح عضوا في المجتمع الدولي. وأصبحت منطقة جونغ دونغ مركزا للأنشطة الدبلوماسية بصورة رسمية وغير رسمية. وبعثت الإمبراطورية الكورية أول مبعوث دبلوماسي دائم لها إلى العاصمة الأمريكية واشنطن عام ١٨٨٧. وبعد ذلك، أرسلت مبعوثين مفوضين إلى الدول الأوروبية، بما فيها روسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وأنشأت بعثات دبلوماسية دائمة فيها. كما أن الإمبراطور غوجونغ أرسل أحد رجاله المقربين «مين يونغ-هوان» إلى حفل تتويج قيصر روسيا نيكولاس الثاني مبعوثا خاصا له عام ١٨٩٦ وأرسله مرة أخرى إلى حفل الذكرى الستين لتولي الملكة البريطانية فيكتوريا العرش عام ١٨٩٧.
علاوة على ذلك، سعت الإمبراطورية الكورية إلى الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية، وأصبحت عضوا في الاتحاد البريدي العالمي عام ١٨٩٩ وانضمت إلى اتفاقية جنيف عام ١٩٠٣. لكنها لم تستطع أن تشارك في مؤتمر لاهاي الأول للسلام الذي عُقد عام ١٨٩٩، حيث اجتمع فيه ممثلون عن ٢٦ دولة لإيجاد الحلول السلمية للصراعات الدولية. وفي فبراير عام ١٩٠٢، قدمت الإمبراطورية الكورية طلب الانضمام إليه لحماية نفسها من انتهاك اليابان سيادتها الوطنية.
وعند نشوب الحرب الروسية اليابانية عام ١٩٠٤، أرسلت الإمبراطورية الكورية رسائل أعلنت فيها حيادها إلى القوى العالمية الكبرى عن طريق مبعوثها في جيفو بالصين لتجنب المراقبة اليابانية المستمرة على أنشطتها الدبلوماسية. وساعد أوروبيان اثنان مسؤولي الحكومة الكورية في صياغة بيان الحياد، وهذان الأوروبيان هما إيميل مارتيل معلم اللغة الفرنسية للعائلة الملكية ومستشار بلجيكي، تحت إشراف «لي يونغ-إيك»، وهو موظف حكومي مخلص للإمبراطور. وترجم بيان الحياد القائم بأعمال المبعوث المفوض الفرنسي فيكومت دي فونتيناي إلى اللغة الفرنسية، وأرسل نائب القنصل الفرنسي في جيفو البرقية التي تضمنت البيان. لكن، كل الجهود الكورية الرامية لمنع اليابان من احتلال شبه الجزيرة الكورية ذهبت أدراج الرياح، عندما أرسلت اليابان عشرات الآلاف من جنودها لاحتلال كوريا، في الوقت الذي كانت فيه الحرب اليابانية الروسية مشتعلة.
أغمض المجتمع الدولي عينيه عن انتهاك اليابان للقانون الدولي. في الحقيقة، فإن اليابان حصلت على التأييد من بريطانيا وأمريكا وفقا للتحالف الإنجليزي الياباني الثاني والاتفاقية السرية المسماة بـ»اتفاقية تافت وكاستورا» التي ضمنت مصالح الطرفين في الصين وكوريا. ونظم الرئيس الأمريكي روزفلت مؤتمرا للسلام في بورتسموث لتسوية الخلافات بين اليابان وروسيا، وأصبح أول رئيس أمريكي يفوز بجائزة نوبل للسلام بفضل ذلك. ولم تسجل روسيا في اتفاقية السلام مع اليابان اعتراضها على وجود اليابان في كوريا. وهكذا، حصلت اليابان على اعتراف أمريكا وبريطانيا وروسيا بحقوقها ومصالحها في شبه الجزيرة الكورية.
أصبحت اليابان ضمن القوى العالمية بعد انتصارها على روسيا. وفي عام ١٩٠٥، مارست اليابان ضغطا على حكومة الإمبراطورية الكورية للتوقيع على معاهدة ضم اليابان لكوريا. أصر الإمبراطور غوجونغ على رفضه التوقيع على المعاهدة حتى النهاية، لكن المسؤول الياباني إيتو هيروبومي هدد خمسة وزراء في الحكومة الكورية، وأجبرهم على التوقيع على معاهدة ضم اليابان لكوريا. وعلى الرغم من أن هذه المعاهدة اُعتبرت غير قانونية لأنها وُقعت بالقوة ودون موافقة الإمبراطور، فقد سارعت اليابان إلى إعلانها أمام المجتمع الدولي وأصبحت شبه الجزيرة الكورية مستعمرة يابانية.
نيت " جونغ ميونغ جون"وتعني " قاعة الضوء الكبيرة"عام بُ ٩٩٨١ كمكتبة خاصة باإلمبراطور.لكنها تحولت إلى مقر لإلمبراطور غوجونغ عام ٤٠٩١.كما أن معاهدة ضم اليابان لكوريا و ُ قعت هنا عام ٥٠٩١.وظلت خارج األسوار الغربية لقصر دوكسو.
هذه صورة لـ"جونغ ميونغ جون"من كتاب " تاريخ قصر دوكسو"الذي ألفه المؤرخ الياباني أودا شوغو عام ٨٣٩١ خالل فترة االستعمار الياباني.وشهد الطابق الثاني تغييرا جريت بعد حريق كبيرا خالل عملية التجديد واإلصالح التي أُ حدث عام ٥٢٩١© صور غيتي
فقدان السيادة
بعد وقت قصير من توقيع الاتفاقية، شاهد نائب القنصل الأمريكي ويلارد دي سترايت الجنود اليابانيين المسلحين الذين تجمعوا في الفناء أمام مبنى «جونغ ميونغ جون» الذي كان مقر إقامة الإمبراطور غوجونغ. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أول دولة قررت سحب بعثتها الدبلوماسية من شبه الجزيرة الكورية. واتخذت الدول الأخرى خطوات مماثلة وقررت سحب بعثاتها الدبلوماسية دون تردد، وكانت فرنسا حليف روسيا العسكري آخر دولة تسحب بعثتها الدبلوماسية من الأراضي الكورية.
لقد كان نقل الإمبراطور غوجونغ قصره إلى جونغ دونغ لتركيز جهوده على الأنشطة الدبلوماسية، لكنه لم يستطع أن يحصل على الدعم من القوى العالمية التي اعتمد عليها. بل إنه واجه حقيقة قاسية، ألا وهي أن الدولة الضعيفة لا تستطيع أن تحافظ على سيادتها لمجرد اعتمادها على الدول القوية المتقدمة.
لكن، لم يفقد الإمبراطور غوجونغ أمله بالمجتمع الدولي، وبمساعدة الأمريكي هوريس إن ألين، الطبيب والمبشر المسيحي الذي عمل مبعوثا مفوضا أمريكيا في كوريا، طالب الإمبراطور الكوري الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل في موضوع شبه الجزيرة الكورية، لكنه لم يحصل على أي رد. كما أن الإمبراطور أرسل رسائل خطية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والنمسا والمجر وإيطاليا وبلجيكا والصين بمساعدة المبشر الأمريكي والمعلم هومر هولبرت، لكن قادتها لم يرغبوا في الوقوف في وجه طموحات اليابان الإقليمية. باختصار، فإن القوى العالمية تجاهلت مقولة الإمبرطور إن المعاهدة بين كوريا واليابان عام ١٩٠٥ باطلة وفقا للقانون الدولي لأنها وُقعت تحت الإكراه. كما أن الإمبراطور غوجونغ حاول، دون جدوى، تقديم شكوى أمام المحكمة الدائمة للتحكيم في لاهاي.
في آخر محاولة، أرسل الإمبراطور غوجونغ ثلاثة مساعدين مقربين له، هم لي سانغ-سول ولي جون ولي وي-جونغ، سرا إلى مؤتمر لاهاي الثاني للسلام، حيث اجتمع ممثلون عن ٤٤ دولة خلال الفترة ما بين يونيو إلى أكتوبر عام ١٩٠٧. وصل المبعوثون إلى لاهاي مرورا بروسيا، ولما لم يستطيعوا حضور المؤتمر، أكدوا أمام الصحفيين الذين تجمعوا في لاهاي من جميع أنحاء العالم لتغطية المؤتمر على أهمية التدخل الدولي في موضوع شبه الجزيرة الكورية. لكن للأسف الشديد، تجاهلت القوى العالمية معاناة الإمبراطورية الكورية مرة أخرى.
بعد شهر من انطلاق مؤتمر لاهاي للسلام، طالبت اليابان الإمبراطور غوجونغ بالتنازل عن العرش بحجة إرساله البعثة السرية إلى لاهاي. وهددت اليابان الإمبراطور غوجونغ في مبنى «جونغ ميونغ جون» حتى تنازل عن العرش رغما عنه، وتولى ابنه العرش وأصبح الإمبراطور سونجونغ. انتقل الإمبراطور الجديد إلى قصر تشانغدوك وسُجن الإمبراطور السابق غوجونغ في قصر غيونغون وتُوفي في ٢١ من يناير عام ١٩١٩. وأثارت وفاته شائعات بأن العملاء اليابانيين قاموا بتسميمه، وبعد خمسة أسابيع، اندلعت حركة الأول من مارس التي تُعتبر من أوائل المظاهرات التي تجمعت فيها الحشود الكبيرة من الكوريين لمقاومة الاحتلال الاستعماري في آسيا.
يتسم الطريق المتعرج على طول األسوار الحجرية لقصر دوكسو باألجواء الخاصة الهادئة في وسط المدينة المزدحمة. ويتجه الجانب األيسر منه إلى البوابة الخلفية للقصر ويقود الجانب األيمن منه الزوار إلى سكن السفير األمريكي.© وكالة كوريا للمحتويات اإلبداعية
وفاة الإمبراطور
فقد قصر غيونغون صاحبه وتُرك خاليا. وتعرض القصر الذي تحول اسمه إلى قصر دوكسو الآن للتدمير المنهجي. قلّصت حكومة الاحتلال الياباني مساحة الأرض العائدة للقصر ودمرت العديد من القاعات فيه. وتحول مبنى «جونغ ميونغ جون» الذي كان مقرا لإقامة الإمبراطور غوجونغ إلى نادٍ للأجانب. كما أن حكومة الاحتلال الياباني هدمت مبنى «دوندوك جون» الذي بُني لاستقبال الضيوف الأجانب وأنشأت مكانه مدينة ملاهٍ للأطفال. وخلال الثلاثينيات من القرن الماضي، دمرت حكومة الاحتلال الياباني الكثير من المباني في القصر لبناء حديقة عامة. ولم يبق سوى قليل من المباني مثل «جونغهوا جون» و»سوكجو جون». ودمرت سلطات الاحتلال الياباني بلا رحمة المباني التي كانت ترمز إلى سيادة الإمبراطورية الكورية وسلطتها وانتهى عصر جونغ دونغ عام ١٩١٠ حيث ضمت اليابان الأراضي الكورية إليها رسميا.
اليوم، يُعتبر هومر هولبرت الذي ساعد الإمبراطور غوجونغ في البحث عن الدعم الدولي كرجل ظل صديقا لكوريا حتى النهاية. دُفن هولبرت في مقبرة «يانغهوا جين» للمبشرين الأجانب في سيول. وأصبحت منطقة جونغ دونغ مكانا يمكن الاستمتاع فيه بالعزلة والهدوء وسط ضوضاء قلب المدينة، حيث تقع أمانة بلدية سيول. وتستقطب مباني القصر المتبقية للإمبراطورية القصيرة الأجل محبي التاريخ وهواة العمارة. وتلقي أشجار الجنكة ظلالها على شارع جونغ دونغ الذي يُحاط بأسوار القصر ويرشد هذا الشارع الضيق المرصوف بالحصى زواره إلى عصر آخر. وفي عام ١٩٩٩، حددت بلدية مدينة سيول هذا الشارع الذي كان مكتظا بالغربيين ومسؤولي الإمبراطورية التي تضاءلت وأخذت في التلاشي والاضمحلال كأول «شارع جميل للمشي» في سيول.
حديقة تابغول.. منطلق حركة الاستقلال
قبل قرن، أصبحت أول حديقة عامة في سيول بؤرة المعارضة السياسية، وانطلقت منها حركة الأول من مارس ضد الحكم الاستعماري الياباني التي تُعد نقطة تحول في الكفاح الكوري لاستعادة السيادة وتأسيس الجمهورية الديمقراطية.
منظر موكب جنازة اإلمبراطور غوجونغ الذي تُوفي في ١٢ من ينايرعام ٩١٩١.وانتشرت شائعة بأن اليابان سممته.وأسفر موت اإلمبراطور عن اندالع حركة األول من مارس لالستقالل من االستعمار الياباني.
هذه صورة تذكارية للفرقة الموسيقية العسكرية لإلمبراطورية الكوريةوقائدها فرانز إيكيرت الذي يرتدي قبعة فيدورا في الوسط من الصف األمامي.اُلتقطت هذه الصورة بعد انتهاء العرض الموسيقي في الجناح الثُّماني األضالع في حديقة تابغول عام ٢٠٩١. © وكالة كوريا للمحتويات اإلبداعية
في أواخر القرن التاسع عشر، شهدت حديقة تابغول انعقاد المؤتمر العام للشعب الكوري الذي أتاح لكل الناس فرصا متكافئة لتقديم الآراء. وأعطت الإصلاحات الاجتماعية جميع الناس، ومنهم الجزارين الذين كانوا يُعتبرون من الطبقة الاجتماعية السفلى، الحق في التعبير عن آرائهم. وأُتيحت للجميع فرصا متكافئة لإلقاء الخُطب أمام الجمهور، وفي بعض الأحيان، كان الحشد يذهب إلى البوابة الرئيسة لقصر غيونغوون لتقديم الاحتجاجات الخطية. لكن، انتهى كل ذلك عندما استعمرت اليابان كوريا وضمتها إلى أراضيها بالقوة خلال الفترة ما بين عامي ١٩٠٥ و١٩١٠.
في عام ١٩١٩، وصل الشعب الكوري إلى درجة الغليان نتيجة المعاناة التي سببها الحكم العسكري الصارم لحكومة الاحتلال الياباني. وفي اليوم الأول من مارس، نُشر إعلان الاستقلال الكوري الذي ساهم الطلاب مساهمة كبيرة في كتابته وتمت قراءته علنا لأول مرة في حديقة تابغول، مما أدى إلى اندلاع المظاهرات في شتى أنحاء البلاد. كانت هذه المظاهرات سلمية، لكن حكومة الاحتلال الياباني قمعتها مستخدمة الأسلحة والرصاص الحي، مما أسفر عن قتل واعتقال الكثير من الكوريين الذين شاركوا فيها. توقفت المظاهرات بعد شهرين من اندلاعها نتيجة استخدام قوات الاحتلال القوة المفرطة في تفريق المتظاهرين، غير أن هذه المظاهرات مهدت الطريق لتأسيس الحكومة الكورية المؤقتة وتركت تأثيرا في الحركات الشعبية التي وقعت في البلدان الآسيوية الأخرى التي خضعت للاستعمار.
مكان مفتوح للمواطنين
بُنيت حديقة تابغول كجزء من مشروع تحديث المدينة الذي نفذه الملك غوجونغ منذ عام ١٨٩٦. واقترح مستشاره المالي من شمال أيرلندا جون ماكليفي براون بناء حديقة عامة على الطراز الغربي في الموقع الذي كان فيه معبد أونغاك البوذي. وكانت الحديقة تُسمى بحديقة باغودا بسبب وجود باغودا المعبد المصنوعة من الرخام والمكونة من عشر طبقات. وصُنفت هذه الباغودا التي لا تزال موجودة في الحديقة حتى اليوم تراثا وطنيا بمسمّى الكنز الوطني رقم ٢. وفي عام ١٩٩١، أُطلق على الحديقة اسم «حديقة تابغول» رسميا ويعني اسمها «قرية فيها باغودا».في عام ١٩٠٢، بُني جناح ثماني الأضلاع في الحديقة بمناسبة الاحتفال بالذكرى الأربعين لجلوس الملك على العرش. واستضافت الحديقة أول حفلة موسيقية على الطراز الغربي في كوريا عزفت فيها فرقة أوركسترا. كما أن إعلان الاستقلال الكوري أُطلق لأول مرة من هذه الحديقة في اليوم الأول من مارس عام ١٩١٩.
وبدعوة من الإمبراطور الكوري جاء الفنان الألماني فرانز إيكيرت إلى كوريا وشكل أوركسترا بناء على خبرته السابقة في اليابان. وصل إيكيرت إلى سيول في بداية عام ١٩٠١ وشكل الفرقة الموسيقية العسكرية التي استطاعت عزف الآلات الموسيقية الغربية. وأقامت الفرقة عروضا موسيقية غربية بشكل منتظم في الحديقة للأجانب الذين كانوا يقيمون في حي جونغنو الذي يحيط بالحديقة.
في العام التالي، ألف إيكيرت النشيد الوطني للإمبراطورية الكورية الذي انسجمت فيه الألحان الغربية مع الكلمات الكورية، وعزفته الفرقة الموسيقية لأول مرة في ٩ من سبتمبر عام ١٩٠٢ خلال حفلة عيد ميلاد الإمبراطور غوجونغ. ولتعزيز حب المواطنين للوطن، عُزف النشيد الوطني في الاحتفال باليوم الوطني والحفلات الملكية والمدارس بجانب العلم الوطني المسمى بـ»تايغوكغي». وحاز إيكيرت وسام تايغوك للإمبراطورية الكورية نظرا لمساهمته الموسيقية الكبيرة. وعند وفاته عام ١٩١٦، دُفن في مقبرة «يانغهوا جين» للمبشرين الأجانب في سيول.
وجاء في كلمات النشيد، «ندعو إله السماء إلى مساعدة إمبراطورنا العزيز في بسط سلطته في أرجاء العالم لفترة طويلة». لكن، فرضت اليابان حظرا على النشيد الوطني الكوري عندما ضمت كوريا إليها عام ١٩١٠ واستبدلت به النشيد الوطني الياباني الذي انتهى من تأليفه إيكيرت عام ١٨٨٠. لكن مناضلي الاستقلال الكوريين الذين لجأوا إلى هاواي والصين وروسيا وغيرها من الدول كانوا يغنون نسخة معدلة من النشيد الوطني للإمبراطورية الكورية باستمرار.
وقع ٣٣ ممثال للشعب الكوري على إعالن استقالل كوريا مطالبينبتحرير بالدهم من االستعمار الياباني.وتمت قراءته في منتصف اليوم األول من مارس عام ٩١٩١ في حديقة تابغول، مما أدى إلى اندالع المقاومة ضد االحتالل الياباني على مستوى الوطن كله© قاعة االستقالل لجمهورية كوريا
مقدمة للجنازة الملكية
في ٢١ من يناير عام ١٩١٩، تُوفي الإمبراطور غوجونغ فجأة عن عمر يناهز السابعة والستين عاما. وقد سجنته سلطات الاحتلال الياباني لعدة سنوات بعد أن أجبرته على التنازل عن العرش، في قصر دوكسو الذي كان اسمه السابق غيونغون. وسرت بين الناس شائعات تفيد بأن حكومة الاحتلال الياباني تخلصت منه بالسم. وتجمع المشيعون من جميع أنحاء البلاد في سيول لإلقاء النظرة الأخيرة على الإمبراطور وتشييعه إلى مثواه الأخير، وكان مقررا أن يكون دفن الجثمان في اليوم الثالث من مارس.
في اليوم الأول من مارس، حيث أُجريت بروفة موكب الجنازة، صعد الطالب «هان وي-غون» من كلية غيونغ سونغ الطبية إلى المنصة في حديقة تابغول وقرأ إعلان الاستقلال الكوري ممثلا للطلبة. وخرج آلاف الطلبة من الجامعات والمدارس الثانوية العامة والخاصة إلى الشوارع للتظاهر ضد حكومة الاحتلال الياباني. كما أن الحشد الذي تجمع عند البوابة الرئيسة لقصر دوكسو شارك في تظاهرات الطلبة وهتفوا معا عبارة «دايهان دوكنيب مانسي» التي تعني «تحيا كوريا».
كان ذلك بداية حركة الأول من مارس التي انتشرت في شتى أنحاء البلاد وكانت أكبر احتجاج في كوريا ضد الاحتلال الياباني. وهذه الحركة التي لعب أصلا اللاجئون السياسيون والطلاب المبعوثون إلى الخارج والزعماء الدينيون وغيرهم من المثقفين الآخرين دورا رياديا في وضع خطتها أصبحت حركة شعبية شاملة بفضل مشاركة الطلبة والمواطنين.
في حديقة تابغول، كُتبت صفحة جديدة في التاريخ الكوري. وتجمع عامة الناس الذين تحرروا من القيود التي فرضها نظام الطبقات وخطوا خطوة أولى ليصبحوا مواطنين حديثين للاحتجاج على الحكم الاستعماري الياباني والمطالبة باستقلال بلادهم. ونتيجة لذلك، في أبريل عام ١٩١٩، أُسست الحكومة المؤقتة لجمهورية كوريا في شنغهاي في الصين. ووضعت الحكومة المؤقتة دستورا للجمهورية الديمقراطية يُعد حجر الأساس للجمهورية الكورية التي انطلقت عام ١٩٤٨.
غونسان والتحديث الاستعماري
خلال الفترة الاستعمارية، استخدمت اليابان ميناء غونسان لشحن الأرز الذي يُنتج في منطقة هونام التي تُعد سلّة الحبوب في كوريا. وبالتالي، أصبحت مدينة غونسان ضحية للاستغلال الاقتصادي الياباني ورمزا للتحديث الاستعماري.
كانت مدينة غونسان مركزا لتصدير الأرز إلى اليابان خلال الفترة الاستعمارية، حيث يقع الميناء على ضفاف نهر غوم الذي يجري نحو البحر الأصفر وتنتشر الأراضي الخصبة على طول مجرى النهر وروافده. لقد بدأ تصدير الأرز الكوري إلى اليابان في عصر مملكة جوسون وفقا لمعاهدة غانغهوا عام ١٨٧٦ التي سُميت أيضا باسم معاهدة كوريا واليابان وكانت أول حلقة في سلسلة المعاهدات غير العادلة التي اضطرت كوريا إلى التوقيع عليها. وسمحت معاهدة غانغهوا لليابان باستيراد كميات مفتوحة غير محددة من الأرز وغيره من الحبوب وإعفائها من الرسوم الجمركية. لقد أدركت حكومة مملكة جوسون متأخرة خطورة الوضع وسعت إلى تعديل المعاهدة وفرضت حظرا على تصدير الحبوب. لكن، اليابان أبدت بشكل مستمر اعتراضها على قرار المملكة وطالبت بالتعويض.
وعلى مدى ثلاثين عاما خلال الفترة ما بين انفتاح الموانئ الكورية وفقا للمعاهدة وبدء الفترة الاستعمارية، مثّل الأرز الكوري وقماش القطن الياباني غالبية التبادل التجاري بين كوريا واليابان. وأصبح الأرزالمستورد من مملكة جوسون من المواد الغذائية الرخيصة لعمال المصانع في المناطق الصناعية الجديدة في اليابان. وصدرت اليابان قماش القطن الذي كان يُصنع بآلات المصانع اليابانية إلى كوريا.
ني برج من ٠٠٨ كيس بُ من األرز لالحتفال بوضع حجر األساس لمشروع بناء الميناء الثالث في غونسان عام ٦٢٩١.واستمر نشئت المشروع حتى عام ٣٣٩١ و أُ ثالثة مستودعات للحبوب طاقتها االستيعابية ٠٥٢ ألف كيس من األرز.© متحف غونسان للتاريخ الحديث
نهب الأرز
في هذه المعادلة التجارية، أصبحت كوريا سلّة الغذاء لليابان وسوق السلع التجارية اليابانية. وعانت كوريا من النقص الكبير المزمن في الأرز والارتفاع الملحوظ في سعره.
لقد كان المزارعون الكوريون يعانون من نقص الغذاء حتى في موسم الحصاد، لأنهم كانوا يبيعون الأرز بأسعار زهيدة غير معقولة حتى في مواسم ضعف الإنتاج. وقد ارتفعت أسعار السلع بشكل ملحوظ وأصبحت حياة المزارعين الفقراء في المناطق الريفية والتجار الفقراء في المدن أكثر صعوبة. بعبارة أخرى، فإن نهب اليابان للأرز الكوري بعد فتح الموانئ الكورية بالقوة أدى إلى تدهور حياة المزارعين وبؤس أحوال معيشتهم، وهذا قاد إلى اندلاع ثورة الفلاحين دونغهاك عام ١٨٩٤ في منطقة هونام، وهو اسم آخر لمحافظة جولا. هذه الثورة انتشرت في شتى أنحاء كوريا وطالب الفلاحون المحتجون بحظر عمل التجار الأجانب داخل أراضي كوريا.
لقد فتحت الإمبراطورية الكورية ميناء غونسان عام ١٨٩٩ للتجارة مع اليابان على أمل زيادة الإيرادات الجمركية. وكان يقع في مدينة غونسان مستودع الضرائب الرسمي واُعتبر ميناؤها مركزا لنقل الحبوب المُنتجة من منطقة هونام، في حين سعت حكومة الإمبراطورية الكورية إلى تطوير الصناعات المحلية من أجل تحقيق الازدهار الاقتصادي وتعزيز القوة العسكرية.
بعد فتح الميناء، شهدت مدينة غونسان ازدهار المتاجر وشركات التجارة المحلية التي منحتها حكومة الإمبراطورية الكورية رخصا خاصة. ودفع التجار المحليون الضرائب إلى العائلة الملكية مقابل الامتيازات الممنوحة لهم التي مكنتهم من تطوير أعمالهم إلى شركات تجارية حديثة. وبالتالي، أصبح التجار المحليون مصدرا رئيسا لخزينة الإمبراطورية.
لكن، بعد الحرب الروسية اليابانية خلال الفترة ما بين عامي ١٩٠٤ و١٩٠٥، بدأت اليابان تتدخل بشكل سافر في كوريا وتنهب خيراتها بشكل مفرط، مما أدى إلى تخلي الإمبراطورية الكورية عن الآمال والخطط بتحديث البلاد. وتدفق الكثير من اليابانيين على أراضي كوريا بعد تأسيس المكتب الدائم للإشراف العام التابع للحكومة اليابانية في كوريا. وشكل التجار الكوريون في ميناء غونسان تحالفا للدفاع عن أنفسهم من منافسة التجار اليابانيين، لكنهم لم يستطيعوا أن ينافسوا اليابانيين ذوي رؤوس الأموال الكبيرة. وبعد ضم اليابان لكوريا عام ١٩١٠، أصبحت اليابان تسيطر على التجارة الكورية وحظرت على الشركات التجارية الكورية في ميناء غونسان أداء أعمالها التجارية.
ثم سقطت الأراضي الواقعة على ضفاف نهر غوم ونهر مانغيونغ ونهر دونغجين في أيدي ملاك الأراضي اليابانيين. وزرع اليابانيون الأرز في هذه الأراضي وأرسلوا محاصيلها إلى ميناء غونسان لشحنها إلى اليابان. في عام ١٩١٤، مثل حجم صادرات الأرز في ميناء غونسان حوالي ٤٠.٢ في المائة من إجمالي الصادرات الكورية للأرز وتلتها بوسان بنسبة ٣٣.٥ في المائة وإنتشون بنسبة ١٤.٧ في المائة، وفقا لإحصاءات الحكومة اليابانية.
وفي وقت من الأوقات، امتلك اليابانيون حوالي ٨٠ في المائة من أراضي غونسان. وكانت المزارع الكبيرة المملوكة لليابانيين تتلقى تمويلا من الشركات اليابانية ذات رؤوس الأموال الضخمة، ومنها شركة هوجيموتو وشركة أوأوكورا وشركة ميتسوبيشي. وهدفت هذه الشركات إلى تحقيق أكبر ربح ممكن واستغلت الفلاحين الكوريين المستأجرين أبشع استغلال.
في هذه الصورة التي اُلتقطت في العقد الثاني من القرن العشرين، يحملالعمال أكياسا من األرز في ميناءغونسان لشحنها إلى اليابان.واستغلتاليابان العمال الكوريين ونهبت األرز من خالل نظام استئجار األراضي الزراعية لمملكة جوسون.واُعتبرميناء غونسان الذي اُفتتح عام ٩٩٨١ الميناء الرئيس لشحن األرز من منطقة هونام الخصبة إلى اليابان© متحف غونسان للتاريخ الحديث
بقي أكثر من ٠٠١ بيت بُ على الطراز الياباني في وسط مدينة غونسان القديمة، حيث كان يعيش حوالي ٠١ آالف ياباني خالل فترة االستعمار، تحولت الكثير منها إلى مقاٍه أو مساكن للسياح.كما أنها مشهورة كأماكن لتصوير األفالم© يو ميرانغ
آثار العصر الحديث
من الناحية الأخرى، أصبحت غونسان رمزا لتحديث البلاد لأن اليابان أنشأت فيها شبكة نقل حديثة لتسهيل نقل الأرز إلى اليابان. وتمّ شقّ أول طريق معبد بالأسفلت في كوريا عام ١٩٠٨ بين جونجو وغونسان. وفي عام ١٩١٢، جرى مدّ خط السكة الحديد الذي يربط بين إيكسان وميناء غونسان، حيث بُنيت محطة في كل مزرعة رئيسة يمتلكها اليابانيون. كما أن الحكومة اليابانية أنشأت الجسر العائم في ميناء غونسان بسبب تغير منسوب المياه الذي يسببه المد والجزر في البحر الأصفر. وبالقرب من الميناء، بُنيت المصانع لصقل الأرز لتلبية ذوق اليابانيين فضلا عن مصانع إنتاج المشروبات.
في غونسان اليوم، يوجد الكثير من الآثار التي تدل على تاريخ تطورها تحت الحكم الاستعماري الياباني، مما جعل المدينة كلها متحفا تاريخيا للعصر الحديث. ومن المباني الأثرية التي لا تزال موجودة حتى الآن، المباني الفاخرة التي كان يمتلكها اليابانيون ومعبد دونغوك البوذي الذي بُني لليابانيين ومباني بنك جوسون والبنك الثامن عشر اللذان كان يديرهما اليابانيون. وقد اُفتتحت دار للسينما ووُضعت فيها الحصيرة اليابانية المسماة بـ»تاتامي» وعُرضت فيها الأفلام والمسرحيات. كما أن مخبز «لي سونغ دانغ» المشهور الذي يتشكل طابور طويل أمامه كل يوم اُفتتح عام ١٩٤٥ بشراء المبنى والآلات من العائلة اليابانية التي كانت تديره منذ أوائل العقد الأول من القرن العشرين. ويُقال إن خبزه المحشو بالفاصوليا الحمراء تأثر بالفطيرة الحلوة اليابانية.