توقفت الحرب الكورية بعد أن وقعت الكوريتان على اتفاقية الهدنة في يوليو عام ١٩٥٣ ثم حددتا خط تعيين الحدود العسكرية الذي يُسمى أيضا بـ”خط الهدنة” الفاصل بين الكوريتين، ومع أن المدافع صمتت والحرب توقفت إلا أن القوات الأمريكية بقيت في كوريا الجنوبية. وأدى تواجد القوات الأمريكية إلى ظهور العروض الترفيهية الخاص بها الذي يُطلق عليه اسم “عروض الجيش الأمريكي الثامن”. وشارك فيه الكثير من الموسيقيين الكوريين الجنوبيين الذين اضطلعوا في وقت لاحق بدور ريادي في تنمية صناعة الموسيقى الشعبية الكورية.
قدمت نجمة هوليوود مارلين مونرو عرضا أمام القوات الأمريكية وقوات الأمم المتحدة في كوريا الجنوبية في فبراير . وبلغ ما قدمته ١٩٥٤عام مونرو عشرة عروض خلال جولتها التي استغرقت أربعة أيام في المعسكرات في جميع أنحاء كوريا الجنوبية، بما في ذلك العاصمة سيول ومدينة دونغ دو تشون ومدينة دايغو وقرية إين جي. قد ظهرت على المسرح وهي ترتدي ثيابا خفيفة تجذب أنظار المتفرجين رغم وصول درجة الحرارة دون الصفر في ذلك الوقت.
تحظى الموسيقى الشعبية الكورية المسماة بـ”كي-بوب” بشعبية كبيرة ليس في آسيا فحسب بل في شتى أنحاء العالم كذلك، مما يثير سلسلة من الأسئلة من قبيل؛ لماذا تلقى الموسيقى الشعبية الكورية إقبالا كبيرا في جميع أرجاء العالم؟ ما هي نقاط القوة التي تتمتع بها كوريا الجنوبية التي تُبدع هذا النوع من الموسيقى الذي له تأثير كبير في دول العالم؟ كيف تطورت هذه الموسيقى لتصبح ما هي عليه اليوم؟ ولعل أهم سؤال هو: “ما هو تاريخ “كي-بوب”؟
من الآراء الشائعة أن أصل “كي-بوب” يعود إلى عروض الجيش الأمريكي الثامن الذي انطلق في الخمسينيات من القرن الماضي. وذلك يعني أن كي-بوب تأثر تأثرا كبيرا بالموسيقى الشعبية الأمريكية التي بدأت تنتشر في كوريا من خلال عروض الجيش الأمريكي الثامن. ومن الدلائل على ذلك، إقامة المسابقات الفنية لاكتشاف المواهب الجديدة وظهور الوكالات المتخصصة لإدارة الترفيه.
يبدو أن هذا الرأي معقول إلى حد ما، إلا أنني أعتقد أنه رأي لا يتصف بالعمق ولا يقدم شرحا كافيا لازدهار كي-بوب اليوم، لأن هذا الرأي لا يأخذ بعين الاعتبار الفجوة الزمنية التي تبلغ ٣٠ عاما بين عروض الجيش الأمريكي الثامن وازدهار كي-بوب الحالي. ولا يعني هذا الكلام أني أتجاهل التغيرات التي شهدتها الموسيقى الشعبية الكورية بعد ظهور عروض الجيش الأمريكي الثامن، إلا أنني أرى أن ما شهدته الموسيقى الكورية بعد ذلك من التغيرات يشكل أهمية كبيرة.
الهدنة والقوات الأمريكية
شهد القرن العشرون سلسلة من الحروب التي كانت تتسم بالحشد الضخم في الموارد البشرية والمادية. وفي أوائل القرن العشرين، بدأت حكومات دول العالم في تقديم الخدمات الترفيهية للجنود لرفع معنوياتهم وتعزيز الانتماء الوطني. فعلى سبيل المثال، بدأت الحكومة الأمريكية في تخطيط العروض الخاصة لجنودها الذين كانوا يقاتلون في الخطوط الأمامية خلال الحرب العالمية الأولى، وأسست منظمة الخدمات المتحدة USO، وهي منظمة غير ربحية لإدارة العروض الترفيهية المصممة خصيصا للجنود، خلال الحرب العالمية الثانية. ونظمت هذه المنظمة جولات للفرق الفنية لتقديم العروض الفنية في كوريا الجنوبية وشارك فيها النجوم الأمريكيون المشاهير، منهم الممثلة مارلين مونرو والموسيقي لويس أرمسترونغ والموسيقي نت كينغ كول.
وصلت هذه الخدمات الترفيهية الخاصة بالجنود الأمريكيين إلى الأرض الكورية الجنوبية في أعقاب استقلالها عن الحكم الاستعماري الياباني عام ١٩٤٥، حيث تولّى الفيلق الرابع والعشرون من القوات البرية الأمريكية إدارة كوريا الجنوبية بشكل مؤقت، مما خلق طلبا على العروض الترفيهية الخاصة بالجنود الأمريكيين. في ذلك الوقت، كان في العاصمة سيول عدد كبير من فرق العرض والفنانين الكوريين الذين كانوا ينشطون منذ عصر الاحتلال الياباني. وعادة ما كان هؤلاء الفنانون ينتظرون أن يتصل بهم الجيش الأمريكي في مكاتبهم أو المقاهي ليشاركوا في العروض عندما يُطلب منهم ذلك. وكان معظمهم على دراية جيدة بالأنواع المختلفة من الموسيقى الشعبية الغربية، ولا سيّما الموسيقى اللاتينية والموسيقى الفرنسية المسماة بـ”شانسون” وموسيقى الجاز التي أخذت تنتشر في المدن الكورية الكبيرة منذ العشرينيات من القرن الماضي.
في الأيام الأولى، حظيت فرقة كي بي كي التي كان كيم هاي-سونغ يقودها بشعبية بين حضور العروض. و”كيم” معروف على نطاق واسع بأنه زوج المغنية “لي نان-يونغ” ووالد المغنيتين “كيم سوك-جا” و”كيم آي-جا”، وهما عضوتان في فرقة “الأخوات كيم الثلاث” المشهورة. بدأ “كيم” مهنته كَمُغنٍ ومؤلف موسيقي عام ١٩٣٥ ثم أصبح مشهورا كأفضل موسيقي جاز في كوريا. لذلك، لا يمكن القول إن عروض الجيش الأمريكي الثامن كانت القناة الوحيدة التي وصلت منها الموسيقى الشعبية الأمريكية إلى كوريا.
انطلقت العروض العسكرية الأمريكية بعد انتقال الجيش الأمريكي الثامن من القوات البرية الأمريكية الذي كان يتخذ من اليابان مقرا له، إلى منطقة يونغ سان في العاصمة الكورية سيول ليؤسس قوات الولايات المتحدة في كوريا USFK عام ١٩٥٧. وقد أُنشئت معسكرات الجيش الأمريكي بالإضافة إلى منطقة يونغ سان في سيول، في مدينتي بيونغ تايك ودونغ دو تشون في محافظة غيونغ غي ومدينة دايغو في محافظة غيونغ سانغ الشمالية، مما أدى إلى نشوء الأندية الموسيقية الخاصة بالجنود الأمريكيين بالقرب من المعسكرات. وقد بلغ عدد الأندية الفنية في ضواحي سيول والمناطق الحدودية مع كوريا الشمالية وحدها ٢٦٤ ناديا. وأدى تزايد الطلب على الخدمات الترفيهية إلى تغير في شكل العروض، فأصبحت أكثر انتظاما بخلاف ما كانت عليه في الماضي.
عروض على الطراز الأمريكي
نتيجة لذلك، ظهرت العديد من وكالات الترفيه الكورية، وفي طليعتها وكالة هوا يانغ التي اُفتتحت عام ١٩٥٧، وتبعتها وكالة يونيفرشال ووكالة غونغ يونغ. وكانت هذه الوكالات تتولى مهام إدارة الموسيقيين وتدريبهم وتخطيط العروض والحفلات الموسيقية والمشاركة في المنافسات لاكتشاف وجوه جديدة. وكانت سوق الخدمات الترفيهية الخاصة بالجنود الأمريكيين سوقا رائجة تُدرّ أرباحا ضخمة على كوريا الجنوبية التي مزقتها الحرب. وقد كانت القوات الأمريكية في كوريا تُنفق حوالي 1.5 مليون دولار أمريكي سنويا على عروض الجيش الأمريكي الثامن في أوائل الستينيات من القرن الماضي. وكان هذا المبلغ أكبر من إجمالي صادرات كوريا الذي بلغ مليون دولار. ونتيجة لذلك، شهدت وكالات الترفيه الكورية نموا سريعا. وقال تقرير صحفي نُشر عام ١٩٦٢: “الوكالات التي شكلها فنانون تقدم محتوى مُبتذلا تملك ٢٥ فرقة عرض و٦٠ فرقة موسيقية تُشغّل حوالي ألف فنان”.
لقد اشتدت المنافسة بسبب تزايد عدد الفنانين الذين يودون المشاركة في عروض الجيش الأمريكي الثامن. وكان من المهام الرئيسة لوكالات الترفيه إعداد الفنانين للمنافسات لاختيار المشاركين في العرض الذي كان يُقام كل ثلاثة أشهر إلى ستة. وكانت هذه المنافسات مهمة جدا لأنه بناء على نتائجها كان يُصنف الموسيقيون في درجات مختلفة تعتمد عليها رواتبهم والمشاركة في العروض وكانت لجنة التحكيم تتكون من أمريكيين أرسلتهم وزارة الدفاع الأمريكية. كانت أعلى درجة AA تضمن استمرار المشاركة والرواتب العالية إلا أن الفنانين الذين يحصلون على درجات أدنى كانوا يضطرون إلى الذهاب إلى المعسكرات الأمريكية في المناطق الريفية على متن الشاحنات العسكرية. وكانت درجة D تعني الفشل.
لقد كان الجيش الأمريكي يُقيم المنافسات ليضمن مستوى معين من جودة العروض، إلا أنها فرضت قيودا على الموسيقيين الكوريين لأنها تجاهلت أشياء تستحق الاهتمام، وركزت على أنواع محددة من الموسيقى وأساليب الأداء والأصوات. كما أن لجنة التحكيم لم تكن تأخذ بعين الاعتبار أصالة الموسيقيين الكوريين، بل اهتمت بمدى تقليدهم للموسيقى الشعبية الأمريكية. وكان على الموسيقيين الكوريين أن يتكيّفوا مع الاتجاه السائد في صناعة الترفيه الأمريكية ويغيروا تقنياتهم وأساليب أدائهم وفقا لمعايير هذه المنافسات، ومنها “النطق الصحيح للغة الإنجليزية” و”التعبير عن المشاعر بأساليب لطيفة وجذابة” و”التميز في الأداء”.
كان الفنانون الكوريون فخورين بعملهم رغم أنهم لم يتمكنوا من أداء الموسيقى التي أرادوها.
وكانت الموسيقى الشعبية الأمريكية التي يتم عرضها في المعسكرات الأمريكية تُعد شيئا حديثا متقدما.
فنانون ذوو مواهب متعددة
في البداية، غالبا ما كانت العروض مكونة من أغاني الجاز الشعبية والأغاني الكورية التي يتم إعادة تأليفها على طراز موسيقى الجاز، إلا أن إدخال نظام المنافسة جعل العروض تقتصر على الأغاني الشعبية الأمريكية باستثناء بعض الأغاني الآسيوية الشهيرة مثل الأغنية الشعبية الكورية “آ ري رانغ” والأغنية الشعبية اليابانية “ليلة في الصين”. لذلك، كان على الموسيقيين الكوريين أن يدربوا أنفسهم باستمرار ليكونوا متميزين بأداء الأغاني الشعبية الأمريكية الجديدة التي كان من الممكن تعلمها من خلال صناديق الموسيقى التي وُضعت في المعسكرات الأمريكية أو شبكة القوات الأمريكية للإذاعة أو المجلات الموسيقية الأمريكية مثل مجلة “أغنية فوليو”.
أصبحت عروض الجيش الأمريكي الثامن أكثر انتظاما لتلبي الاحتياجات المختلفة، مما أدى إلى ظهور أنواع مختلفة من الأندية. فعلى سبيل المثال، انقسمت الأندية إلى أندية للضباط وأندية لضباط الصف وأندية للجنود وفقا للرتب العسكرية، وإلى أندية للبيض وأندية للسود وفقا للعرق، وإلى أندية خدمات وأندية عامة وفقا للوظائف. وكانت أندية الخدمات مسرحا للعروض الموسيقية، وأما الأندية العامة فإنها تعني الأندية الصغيرة التي تُباع فيه المشروبات. كما كان هناك فرق في أنواع الأغاني حسب أنواع الأندية، فعلى سبيل المثال فإن الموسيقى الشعبية الأمريكية التي كان يتم عرضها في أندية الضباط كانت نمطية أو شبه كلاسيكية أو من نوع الجاز، في حين سادت موسيقى الروك أند رول والجاز وريذم أند بلوز وكانتري في أندية ضباط الصف وأندية الجنود.
كان على الفنانين الكوريين أن يُتقنوا جميع الأنواع الموسيقية لأن براعتهم في الأنواع كلها تكفل لهم أن يحصلوا على فرص أكثر للعمل والحصول على مقابل مالي مُجْزٍ. أعتقد أن هذه الظاهرة شيء طبيعي لأن الحكومة الأمريكية خططت عروض الجيش الأمريكي الثامن لكي تساعد الجنود الأمريكيين في التغلب على شوقهم لعائلاتهم وتعمّق انتمائهم للوطن. بالتالي، كان المطلوب من الفنانين الكوريين أن يصبحوا صناديق موسيقى بشرية مجهولة تقلّد الأصوات والمشاعر التي تحتضن الأغاني الأمريكية. في السياق ذاته، كان الفنانون الكوريون في حاجة إلى إيجاد مسرح جديد يتيح لهم إظهار مواهبهم الموسيقية دون قيود.
لقد ازدهرت عروض الجيش الأمريكي الثامن خلال الفترة ما بين عامي ١٩٥٧ و١٩٦٥، إلا أنها شهدت تراجعا بعد أن خفضت الحكومة الأمريكية حجم قواتها المتواجدة في الدول الأجنبية بسبب حرب فيتنام. وفي هذه الفترة، شهدت الموسيقى الشعبية الأمريكية تحولا كبيرا فحلت موسيقى الروك أند رول محل الموسيقى الشعبية الأمريكية النمطية وموسيقى الجاز الراقصة. وانعكست هذه التغيرات في عروض الجيش الأمريكي الثامن، فظهرت الكثير من فرق الموسيقى الكورية التي كانت تقلّد المطرب إلفيس بريسلي وفرقة البيتلز.
النمو الخاطف
كان الفنانون الكوريون فخورين بعملهم رغم أنهم لم يتمكنوا من أداء الموسيقى التي أرادوها. وكان من بينهم عدد ملحوظ من خريجي الجامعات، لأن عروض الجيش الأمريكي الثامن كانت تُقدم باللغة الإنجليزية ولذلك كان على المشاركين في العروض أن يتكلموا اللغة الإنجليزية بطلاقة ويغنوا بها. كما أن الأجور المرتفعة والثقافة الأمريكية المتطورة جذبت النخبة من الكوريين. وكانت الموسيقى الشعبية الأمريكية التي يتم عرضها في المعسكرات الأمريكية تُعد شيئا حديثا متقدما، على حين فإن موسيقى «التروت» المحلية التي كانت تحظى بإقبال شديد من سكان الأرياف والعمال الفقراء في المدن كانت تُعد موسيقى مُتخلّفة ويُطلق عليها “بونغ جاك” على سبيل الاحتقار والإهانة. وقد شهد هذا النوع من الموسيقى تراجعا حادا في مكانته في صناعة الموسيقى الشعبية الكورية بعد أن حظرت الحكومة الكورية أغنية “غادة الكاميليا” للمغنية “لي مي-جا” عام ١٩٦٥ بحجة أن أسلوبها مشابه لأسلوب الأغاني الشعبية اليابانية. وعلى النقيض من ذلك، أصبحت الموسيقى الشعبية الأمريكية تطغى على البرامج التلفزية الكورية وتفضّل شبكات البث التلفزي الكورية الخاصة التي أخذت بالظهور ابتداء من منتصف ستينيات القرن الماضي، توظيف الفنانين الذين كانوا يعملون في عروض الجيش الأمريكي الثامن.
لا شكّ أننا نحتاج إلى المزيد من الدراسات والأبحاث لدراسة العلاقة بين الموسيقى الشعبية الأمريكية التي كانت شائعة في الماضي والموسيقى الشعبية الكورية “كي-بوب” اليوم. أعتقد أن الموسيقى الشعبية الكورية ما كانت ستختلف عما هي عليه اليوم حتى لو لم تتواجد القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية، مثلها في ذلك مثل الأغاني الشعبية في الدول الأخرى التي لم تتواجد فيها القوات الأمريكية. ومع ذلك، فأنا على ثقة بأن عروض الجيش الأمريكي الثامن ساهمت مساهمة كبيرة في سرعة تطور الموسيقى الشعبية الكورية. ومن المثير للاهتمام أننا نستطيع أن نجد في الموسيقى الشعبية الكورية التحديث السريع الذي اتسم به النمو الاجتماعي والاقتصادي الذي حققته كوريا الجنوبية.
الأخوات كيم الثلاث؛لاس فيغاس .. مرحبا!
جانغ يو-جونغأستاذة في كلية التعليم العام بجامعة دانكوك
الظهور في البرامج التلفزية الكبرى عشرات المرات، وعلى رأس هذه البرامج "برنامج إد سوليفان" و"برنامج دين مارتن"، وأن تكون أول فرقة فتيات آسيوية تقدم عرضا في مدينة لاس فيغاس الترفيهية؛ فذلك من ضمن إنجازات فرقة "الأخوات كيم الثلاث" الكورية الأسطورية التي ظهرت على المسرح الأمريكي قبل ٦٠ عاما من ظهور فرقة بي تي إس إلى الوجود. تكونت فرقة الفتيات من "كيم سوك-جا" و"كيم آي-جا"، وهما ابنتا المؤلف الموسيقي الكوري المعروف "كيم هاي-سونغ" والمغنية المشهورة "لي نان-يونغ"، بالإضافة إلى "كيم مين-جا"، وهي بنت المؤلف الموسيقي الكوري "لي بونغ-ريونغ" أخ المغنية "لي نان-يونغ"، وقد بدأت الفرقة عرضها الأول عام ١٩٥٣. وكانت عضواتها يتقنّ الغناء والرقص فضلا عن عزف الآلات الموسيقية المتنوعة وحظين بشعبية كبيرة بين جنود القوات الأمريكية وغادرن إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٥٩.
وفي عام ٢٠١٦ الذي صادف الذكرى المئوية لميلاد المغنية "لي نان-يونغ"، أُتيحت لي الفرصة لمقابلة قائدة الفرقة "كيم سوك-جا" مرتين في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعيش فيها حاليا. وفيما يلي نسخة منقحة من الأسئلة والأجوبة التي دارت في المقابلة:
من اقترح تشكيل فرقة "الأخوات كيم الثلاث"؟
كانت والدتي، بعد أن اختطفت القوات الكورية الشمالية والدي عام ١٩٥٠ خلال الحرب الكورية، مضطرة للعمل لكسب رزق العائلة، فكانت تقدم وحدها عرضا فنيا ضمن عروض الجيش الأمريكي الثامن. لكن أداءها هذا العرض وحدها كان أمرا مرهقا للغاية، فقررنا أنا وأختي الكبرى "يونغ-جا" المشاركة معها. أتذكر أننا غنّينا أغنية إسبانية وكنا خلالها نرقص رقصة نقر الأقدام. لكن أختي يونغ-جا خرجت عن طور الطفولة على نحو أصبحت معه غير قادرة على الاستمرار في المشاركة معي في تقديم العرض، فشكلنا أنا وأختي الصغرى "آي-جا" وبنت خالي "مين-جا" فرقة "الأخوات كيم الثلاث".
كانت والدتي، بعد أن اختطفت القوات الكورية الشمالية والدي عام ١٩٥٠ خلال الحرب الكورية، مضطرة للعمل لكسب رزق العائلة، فكانت تقدم وحدها عرضا فنيا ضمن عروض الجيش الأمريكي الثامن. لكن أداءها هذا العرض وحدها كان أمرا مرهقا للغاية، فقررنا أنا وأختي الكبرى "يونغ-جا" المشاركة معها. أتذكر أننا غنّينا أغنية إسبانية وكنا خلالها نرقص رقصة نقر الأقدام. لكن أختي يونغ-جا خرجت عن طور الطفولة على نحو أصبحت معه غير قادرة على الاستمرار في المشاركة معي في تقديم العرض، فشكلنا أنا وأختي الصغرى "آي-جا" وبنت خالي "مين-جا" فرقة "الأخوات كيم الثلاث".
تلقينا دروسا موسيقية على يد والدنا منذ سن مبكرة. أتذكر عندما كنت في السادسة من العمر، كان والدي يحب أن يظهر فجأة أمامنا صارخا "واحد، اثنان، ثلاثة!" فكان علينا نحن الأشقاء السبعة أن نغني على الفور وبالتناوب أو في انسجام. وإذا ارتكب أحد منا خطأ كان لا يتردد في معاقبتنا، إلا أنه كان يحبنا كثيرا وكان فخورا بنا جدا. وكلما أُتيحت له الفرصة للتعريف بنا أمام أصدقائه كان يقول "ليس لديّ مال كثير إلا أن أطفالي هم ثروتي القيّمة الحقيقية". أبي لم يكن حنونا، بل كان صارما جدا معنا. وأتذكر أن والدتي كانت تعترض على طريقته لتعليمنا الموسيقى وكانت تهدده قائلة إنها ستغادر البيت إذا أصر على طريقته.
أما والدتي، فإنها كانت تختلف عنه اختلافا كبيرا. كانت لطيفة جدا وهي تعلّمنا الأغاني الأمريكية التي تعلمتها قبلنا لإعدادنا لتقديم العروض في مسرح الجيش الأمريكي. وأذكر أنه كان في مركز التدريب الذي كنا نستخدمه سلة مغطاة بقطعة من القماش الأبيض مملوءة بالفواكه التي كانت نادرة وغالية الثمن في ذلك الوقت، مثل الموز. كانت والدتي تقول لنا إنها ستعطينا حبة من الفواكه إذا تعلمنا أغنية جديدة تماما، فكنا نبذل كل ما في وسعنا في إتقان الأغنية من أجل الحصول على الفاكهة .
متى زرت الولايات المتحدة لأول مرة؟ وكيف كان شعورك آنذاك؟
وقّعت والدتنا على عقد مع أحد الوكالات الأمريكية عام ١٩٥٨، لكننا ذهبنا إلى معسكر القوات الأمريكية في أوكيناوا باليابان في شتاء ذلك العام بدلا من زيارة الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة. وفي يناير من عام ١٩٥٩، سافرنا إلى مدينة لاس فيغاس لأداء العروض فيها لمدة أربعة أسابيع وبذلنا كل جهودنا لأننا عقدنا العزم ألا نعود إلى كوريا دون تحقيق النجاح في أميركا. ولحسن الحظ، حقق عرضنا الأول نجاحا كبيرا ومددنا مدة العقد مع الوكالة الأمريكية. وبعد ذلك، تلقينا دعوة لتقديم عرض في البرنامج التلفزي المشهور "برنامج إد سوليفان" الذي لا يظهر فيه إلا الموسيقيون المشاهير، مثل إلفيس بريسلي ولويس أرمسترونغ. قد ظهرنا فيه ٢٢ مرة، وكنت مسؤولة عن تخطيط العرض ابتداء من اختيار الأغاني وإعادة تأليفها وحتى اختيار الأزياء المناسبة للعرض.
أعتقد أن والدتك كانت قلقة جدا لأن ابنتيْها الصغيرتين غادرتا إلى بلد بعيد. هل قدّمت لك أي نصيحة؟
أكدت والدتنا على شيئين؛ أولا، احترام بعضنا بعضا، وثانيا عدم مواعدة أي رجل. وأرادت منا أن نبقى صديقات ولا نفعل أي شيء يمس صداقتنا. كما أنها شددت أنه علينا أن نتجنب الرجال لأنهم قد يسببون انفراط عقد الفرقة. في الحقيقة، لم يكن لدينا رجال نواعدهم في كوريا ولم نرغب في مواعدة رجال في أمريكا أيضا.
هل ثمة شيء خاص تتذكرينه عن تلك الأيام في أميركا ؟
كنا نشعر بالحنين إلى الطعام الكوري. وكانت أختي "آي-جا" تشتاق إلى الكيمتشي كثيرا، وهو مخلل كوري يُصنع من الملفوف، حتى أُصيبت باليرقان. وفي تلك الأيام، عندما كان ينتهي عرضنا، كنا نأخذ قسطا من الراحة في غرفة جانبية قبل الخروج على المسرح مرة أخرى. وفي أحد الأيام، انفجرت "آي-جا" بالبكاء وقالت إن لديها رغبة شديدة في أكل الكيمتشي. أخيرا، أرسلت عائلتنا إلينا الكيمتشي إلى أمريكا، إلا أننا لم نستطع أن نحصل عليه، ذلك أنه عندما ذهبنا لأخذ الطرد بعد طول انتظار، قال لنا الموظف أنه رمى الطرد لأن محتواه تسرّب في المكان. شعرنا بإحباط وأتذكر أنني قلت شاكية "يصبح الكيمتشي ألذ بعد التخمير".
ماذا حدث لـ" الأخوات كيم الثلاث" بعد حل الفرقة؟
تزوجت "آي-جا" في مارس من عام ١٩٦٧ وتلتها "مين-جا" في أبريل من نفس العام. شعرت بالوحدة الشديدة. لكنني قابلت زوجي جون وتزوجنا في أبريل من العام التالي. كان جون من المعجبين بنا وحضر عرضنا ثماني مرات. وانفرط عقد فرقتنا عام ١٩٧٣ بشكل رسمي، إلا أنني أعدت تشكيل الفرقة وانضمت إليها أختي الكبرى "يونغ-جا" عام ١٩٧٥ واستمررنا بأداء العرض لمدة عشر سنوات حتى عام ١٩٨٥. وبعد انفصال أختي الكبرى عن الفرقة، شكلتُ فرقة أخرى بـاسم "الأخوات والإخوة كيم" بمشاركة "آي-جا" وأخويّ الصغيرين "يونغ-إيل" و"تاي-سونغ". وبعد وفاة أختي "آي-جا" بسبب السرطان عام ١٩٨٧، غيرنا اسم الفرقة إلى "سو كيم وإخوتها". لكنني تعرضت لإصابة خطيرة في الظهر في حادث مرور عام ١٩٩٤ ولم أستطع أن أقدم عروضا على المسرح بعد ذلك. ولهذه السبب، بدأت الدراسة لامتحان رخصة العقارات. وحصلت على الرخصة في المحاولة الثامنة بعد فشل سبع محاولات وأعمل حاليا في مجال العقارات منذ أكثر من ٢٠ عاما.