تعتبر البطاطا بديلا ممتازا للأرز، وهو العنصر الرئيس في المطبخ الكوري، بفضل قيمها الغذائية وخصائصها الاستثنائية وتنوّعها الوراثي، كما تُستخدم في عمل طبق جانبي لذيذ أو وجبة خفيفة. ولعلنا نتساءل كيف انتشرت البطاطا من موطنها الأصلي في أمريكا الجنوبية إلى أوروبا والصين، ثم كيف دخلت إلى كوريا؟ دعونا نلقي نظرة على تاريخ البطاطا وأهميتها.
تحصد النساء البطاطا فيحقل واقع في منطقة تيبيكفي محافظة كانغوون. وتعتبرمحافظة كانغوون أكبر منطقةتزرع فيها البطاطا في كوريالأنها منطقة جبلية، ويبدأ حصادالبطاطا منذ أواخر يونيو حتىنهاية أغسطس.
يبدو أنهم بسيطون وغير مهذبين، وأجسامهم كلها غير متناسبة ولا متناسقة. فالمشهد هو مثل صورة متحركة. أتحدث عن «آكلو البطاطا» اللوحة الزيتية التي رسمها فينسنت فان غوخ. في البداية، لم يحظ هذا العمل الفني إلا باهتمام قلة قليلة من الناس ومن النقاد، بل انتقده صديقه أنتون فان رابار. ولكن فان غوخ اعتبر هذا الرسم أول عمل طموح له، لأنه اتّبع جان فرانسوا ميليه في جعل حياة الفلاحين الفقراء موضوعا هاما في عمله الفني.
أحيانا يكون القمح والأرز والشعير خادعا. فعلى الرغم من أن البذور تُزرع في التربة، وفي وقت لاحق تنمو الساق وترتفع عاليا ثم تتدلى الحبوب منها. وفي وقت الحصاد تغطي المحاصيل الذهبية التربةَ التي أنبتتها فتختفي التربة تحت المحاصيل. وعلى النقيض من ذلك، فإن البطاطا صادقة. وهي تُدفن في التربة وتُحصد من التربة. لذلك فالمزارعون الذين يجلسون تحت ضوء صغير ويتناولون البطاطا صادقون. وتكون مفاصل أصابع أيديهم سميكة بسبب حفر التربة كما تكون وجوههم السمراء مثل البطاطا غير مقشرة. فيستحقون أن يتناولوا البطاطا الدافئة التي ما تزال تحمل رائحة التربة.
هؤلاء المزارعون في رسم فان غوخ يبدون كراما وراضين، ولكن يبدو إن البطاطا في البداية لم تحظ بالترحيب كغذاء عند تقديمها إلى أوروبا في القرن السادس عشر من جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية. ومثل لوحة فان غوخ التي لم تحظ بالاهتمام المناسب في البداية والتي تعد واحدة من روائعه في الوقت الحاضر، استغرقت البطاطا وقتا طويلا للانتشار على نطاق واسع لتصبح محبوبة بين الناس.
غامجاجون هو فطيرة البطاطا المقلية الشهيةمن البطاطا المفرومة، ويحبها الناس كمقبلاتأو وجبة خفيفة. وفي محافظة كانغوون يُعملغامجاجون فقط بالبطاطا المفرومة باستخدامالمبشرة ولكن يضاف إليها قليل من الفطر أوالخضراوات مثل الثوم أو الجزر أو البصل فيالمناطق الأخرى.
المجاعة تنشر البطاطا
البطاطا هي خضراوات مغذية، فبالإضافة إلى الكربوهيدرات الوافرة فيها، فهي تحتوي أيضا على العديد من المعادن مثل البوتاسيوم والمغنيسيوم والمنغنيز، مع العناصر الغذائية مثل حمض الفوليك وفيتامين B1 وفيتامين B6 والألياف الغذائية. ومن الجدير بالذكر أن البطاطا تحتوي على فيتامين C ولكن بكمية أقل مما هي في العديد من الفواكه، ولكن بتناول البطاطا فقط كغذاء أساسي يمكن أن يمنع داء الاسقربوط. وعلى الرغم من أن الفيتامينات لم تكن مكتشفة في القرن الثامن عشر، فإن الحكومات والعلماء في أوروبا كانوا يعرفون القيمة الغذائية للبطاطا. فمثلا فريدريش الثاني من بروسيا والذي اشتهر باسم «ملك البطاطا» وأنطوان أوغستين بارمنتير الصيدلي الذي نشر البطاطا بحماس في فرنسا ساهما مساهمة كبيرة في ترويج البطاطا في وقتهما.
ولكنّ المزارعين الذين كان مقدرا لهم أن يأكلوا البطاطا فعلا، كانوا على حذر من المحاصيل الجديدة ورفضوا تناولها في البداية حيث آمن البعض بالشائعات التي تقول إن البطاطا تسبب أمراضا مثل السل والجذام والكوليرا ورفضوا حتى لمسها. علاوة على ذلك، فإن عدم تمكنهم من عمل الخبز من البطاطا أيضا كان سببا مهما في تجنب المحصول. وتطلب الأمر جهدا كبيرا ووقتا أطول حتى أدرك المزارعون الأوروبيون قيمتها وقبلوها كمحصول مهم. ولكن عندما ضربت المجاعة أجزاء من أوروبا تم حل هذه المشكلة بسهولة وانتشرت زراعة البطاطا بسرعة كبيرة.
أما في كوريا، فتم إدخال البطاطا في أوائل القرن التاسع عشر. وقيل إن الصينيين جلبوا البطاطا معهم عند حضورهم إلى كوريا للحصول على الجينسنغ البري وزرعوها في الأرض الكورية.وفي ذلك الوقت، أطلق جان أنتلم بريلات سافارين ذواقة الأطعمة الفرنسي القول المأثور الشهير: «قل لي ما تأكل أقل لك من أنت».
وكان هذا الكلام صالحا في وقته لأن هناك فرقا كبيرا بين الأغذية التي يأكلها الفقراء والمزارعون من الطبقة الاجتماعية الدنيا والأغذية التي تتناولها الطبقة العليا الغنية، حيث تقرر المكانة الاجتماعية والطبقة الاجتماعية الطعام الذي يمكن أن يأكله كل شخص. ومع ذلك، تظهر الثقافة الغذائية في بلد ما أكثر وضوحا من خلال كيفية تناول الطعام وليس فقط من خلال نوع المأكولات. وعلى الرغم من أن كلا من الأوروبيين والكوريين قبلوا البطاطا كغذاء في نهاية المطاف، فإن كل فريق يأكلها بطريقة مختلفة تماما.
The food culture of a country is more clearly understood through how food is eaten rather than what kind of food is eaten. Though both Europeans and Koreans eventually accepted potatoes as food, they eat them in completely different ways.
انتشرت البطاطا من جبال الأنديز في أمريكاالجنوبية إلى جميع أنحاء العالم، وهي طعاممغذٍ صحي يحتوي على الكربوهيدرات الوافرةوالمعادن وحمض الفوليك والفيتامينات والأليافالغذائية
الاستهلاك على أساس الأرز
بينما حاول الأوروبيون في الماضي إنتاج الخبز من البطاطا، وهو أحد أغذيتهم الأساسية، فإن كوريا في العصر الحديث تستهلك البطاطا بواحدة من الطريقتين التاليتين: بديل للأرز أو طبق جانبي مع الأرز.
وكانت البطاطا المبخرة أو المسلوقة بديلا عن الأرز في أوقات النقص في الحبوب، كما تم زراعة البطاطا وتناولها بكميات كبيرة في محافظة كانغوون الجبلية التي يصعب زراعة الأرز فيها. لذلك حتى هذه الأيام يجد معظم المسافرين عبر هذه المنطقة أطباق البطاطا المحلية مثل أونغسيمي (حساء كرات البطاطا) وغامجا طوك (كعك البطاطا)، وهما أقل شيوعا في مناطق أخرى من البلاد.
ومع ذلك، فإن البطاطا المسماة باسم «غامجا» باللغة الكورية، تُستخدم أكثر ما تستخدم في عمل الأطباق الجانبية لتناولها بالأرز أو معه. أما «غامجا جوريم»: طبق البطاطا المسلوقة مع المكونات الأخرى بصلصة الصويا بعد تقطيعها إلى مكعبات صغيرة الحجم، و»غامجا تانغ»: الحساء المطبوخ بأضلاع لحم الخنزير والخضراوات والبطاطا الكاملة، و»دوينجانغ جيغي»: حساء معجون فول الصويا بمكعبات البطاطا وغيرها من الخضراوات، و»غوتشوجانغ جيغي»: حساء معجون الفلفل الأحمر بمكعبات البطاطا وغيرها من الخضراوات، فكلها تؤكل مع الأرز. ومن المثير للاهتمام أن هناك طبق شرائح البطاطا المقلية ويعرف باللغة الكورية باسم «غامجا نامول». وعلى العموم فإن «نامول» يشير إلى الأعشاب والأوراق الصالحة للأكل التي تؤكل مسلوقة أو مقلية أو نيئة بعد خلطها بالتوابل.
لكن بالنسبة لسيقان نبتة البطاطا وأوراقها فلا يمكن أن تؤكل بهذه الطريقة. وتنتمي البطاطا إلى عائلة سولاناسي أو الباذنجانية، إذ تحتوي على مركبات الغليكوالكلويد السامة في ساقها الأخضر وبراعمها والتي تسبب الإسهال والقيء ووجع المعدة، وفي أسوأ الأحوال يمكن أن تؤدي إلى الهلوسات والشلل وحتى الموت. ومن المحتمل أن تسمى شرائح البطاطا المقلية باسم «نامول» لأنها تؤكل كطبق جانبي للأرز.
للأسباب المذكورة أعلاه، يجب تجنب البطاطا الخضراء، فعند التلف أو التعرض لأشعة الشمس تتحول البطاطا إلى اللون الأخضر بسبب بدء تشكيل الكلوروفيل فيها، وهذا الأمر يشير أيضا إلى وجود مادة السولانين الغليكوالكلويد السامة. ونظرا لأن السولانين لا تختفي حتى بتسخينها، لذلك يجب إزالة الأجزاء الخضراء من حبة البطاطا. وعلى الرغم من أن السولانين مادة ضارة للبشر، فهي مفيدة لحبة البطاطا نفسها حيث تحميها من البكتيريا والعفن والاستهلاك من قبل الحيوانات.
لقد خفض سكان الأنديز الأصليون سُميّة البطاطا البرية واستنبتوها وزرعوها، وبفضل هذا الأمر يمكن أن يتمتع الناس بهذه المحاصيل الدرنية الثمينة في أماكن عديدة في جميع أنحاء العالم. وعلاوة على ذلك، فقد اكتشفوا حتى أنه يمكن تخفيض السُّميّة بتناول البطاطا مع التربة. ووفقا لتيموثي جونز أستاذ العلوم الغذائية في جامعة ماكغيل في كندا، فإن التربة في جبال الأنديز تحتوي على مكونات تحييد سمية البطاطا عند دمجها مع مكوناتها السامة الطبيعية.
لقد صنع سكان الأنديز الأصليون الطعام المجفف بالتجميد المعروف هناك باسم «تشونيو». وكان هذا الطعام طريقة أخرى لتخفيض سمية البطاطا المريرة (بابا أمارغا) التي يأكلونها. ويتم حفظ البطاطا عن طريق تجميدها في هواء الليل البارد على المرتفعات التي يصل ارتفاعها إلى 3500 متر، ومن ثم تعريضها لأشعة الشمس الشديدة خلال النهار لتجفيفها من أجل الحفاظ عليها فترة طويلة. بفضل هذه الطريقة، يمكن الحفاظ على التشونيو لمدة طويلة تصل إلى 20 عاما. وهذا الغذاء هو الذي مكّن الإنكا من السيطرة على المناطق المجاورة وحكْم إمبراطوريتهم قبل قرون. كما أنه ساهم في التغلب على المجاعة لأنه مناسب للتخزين على المدى الطويل.
لكن عند نقل مادة غذائية من جانب إلى جانب آخر من العالم، لا تنتقل معه أساليب طهيه أو تحضيره إلا قليلا. فعلى سبيل المثال، عند إدخال البطاطا إلى أيرلندا عبر إسبانيا وإيطاليا في النهاية، لم تنقل معها طرق الطهي والتحضير.
Potato cakes are a local specialty of the mountainous Gangwon Province. Made of potato starch dough with mung bean filling, the steamed cakes have a delicate flavor and soft, chewy texture.
أصناف مختلفة.. أذواق مختلفة
وإذا كان قد تم نقل تقنيات الحفظ التي استخدمها الأمريكيون الجنوبيون لعمل التشونيو إلى أيرلندا، فإن انخفاض عدد السكان المأساوي بمقدار النصف في أيرلندا لم يحدث إلا عند اجتياح مرض لفحة البطاطا مزارع البطاطا في منتصف القرن التاسع عشر. ذلك أنّ الأيرلنديين حصلوا على البطاطا فقط، ولم يحصلوا معها على معرفة المزارعين في أمريكا الجنوبية وخبراتهم في زراعة البطاطا. فقد كانت البطاطا التي اعتمدت أيرلندا عليها صنفا واحدا فقط، يطلق عليها اسم «اللومبر»، وهذا يعني أن البلد يزرع ويحصد البطاطا التي لديها البنية الجينية نفسها، مما يجعلها جميعا معرضة للوباء. ونتيجة لذلك، دمرت اللفحة 90 في المائة من محصول البطاطا في غضون عامين. وهذا لم يحدث أبدا في جبال الأنديز، موطن البطاطا، حيث يزرع سكان المرتفعات العديد من الأصناف المختلفة للاستمتاع بمذاقاتها المميزة.
ووفقا للبحوث التي أجريت في عام 1995، فإن كل مزرعة في بيرو تزرع حوالي 10.6 نوع من البطاطا ويخزن المركز الدولي للبطاطا في ليما بذور البطاطا من حوالي 5000 صنف. وفي الوقت الحاضر، فإن احتمال تكرار كارثة أيرلندا منخفض جدا في أي مكان في العالم. ولذلك فنحن مدينون كثيرا لشعب الأنديز، لأننا نعيش في العالم الذي تزرع فيه البطاطا، وهي محصول يأكله أكثر من مليار شخص في جميع أنحاء العالم كل يوم، مما يجعلها ثالث أهم محصول بعد الأرز والقمح.
في هذه الأيام يزرع أكثر من 30 نوعا من البطاطا في كوريا. وعلى العموم، تنقسم البطاطا إلى صنفين وفقا لنسيجها بعد الطهي. أما البطاطا النشوية أو الطحينية فهي تحتوي على المزيد من النشا وتتفتت بسهولة عند طهيها، في حين تحتوي البطاطا القشدية أو الشمعية على نسبة أقل من النشا ولكنها تكون أكثر رطوبة وتصبح أكثر صلابة عند الطهي.
وكان الصنف الأكثر شعبية في كوريا هو بطاطا سومي («المتفوقة») التي تتوسط بين النوعين السابقين فتجمع سمات الصنفين. ولكن في الآونة الأخيرة، ازداد الطلب على أصناف متعددة من البطاطا، وهذا الأمر يشير إلى أن حكمة المزارعين في جبال الأنديز قد انتقلت إلى كوريا أخيرا مع البطاطا.