تخترق مدينة دايغو التي تقع على «التل الكبير» الذي يدل عليه اسم «دايغو» الكثير من الشوارع المتشابكة. ويتميز كل شارع فيها بتاريخ خاص وقصة فريدة. كما أن مدينة دايغو تُعتبر صندوق كنوز للثقافة الكورية الحديثة التي تتمثل بتل تشونغرا الذي يُذكّر الناس بتل مونمارتر في باريس وكنيسة غيسان الذي يرمز إلى الأسلوب المعماري للمسيحيين الكوريين الأوائل وغيرها من المباني التي بُنيت على الطراز الغربي.
كانت زهور التفاح البيضاء تملأ كل تلالدايغو التي احتلتها بساتين التفاح في الماضي.كما أن تفاح دايغو كان مشهوراً جدا في شتىأنحاء كوريا. لكن الآن من الصعب أن نجدبساتين التفاح في دايغو بسبب تأثيرات الاحتباسالحراري الذي أدى إلى انخفاض إنتاج التفاحفيها وارتفاع الإنتاج في المناطق الأخرىبشمال البلاد.
كان عمري سبعة عشر عاما. وكنت في رحلة مدرسية. عادةً ما كان طلاب المدارس الثانوية يزورون آثار البلاد التاريخية قبل تخرجهم. وآنذاك، كان الطلاب يحبون هذه الرحلة لأنها تلبّي أشواقهم لاستكشاف المواقع التاريخية في جميع أنحاء البلاد. كانت وُجهتنا الأخيرة مدينة كيونغجو العاصمة القديمة لمملكة شيلا.على الطريق إلى كيونغجو، قامت على التلال الكبيرة سلاسل أشجار التفاح التي لا نهاية لها. كان الفصل ربيعا حيث تتفتح زهور التفاح. وعندما فتحتُ النافذة، دخلت منها الرياح المحملة ببتلات زهور التفاح البيضاء. وكانت أول مرة في حياتي أشهد مطر الزهور الذي ظننت أنه موجود فقط في العالم الخيالي. سارت الحافلة تحت مطر الزهور بعض الوقت حتى وصلت إلى كيونغجو. مع أن الذكريات عن الآثار القديمة التي شهدتها في كيونغجو تلاشت مع مرور الوقت، فقد بقي في أعماق ذاكرتي منظر التلال التي تفتّح فيها زهر التفاح. وكان اسم بلدة التلال دايغو.
على الرغم من مرور الوقت، ما زلت أتذكر رائحة زهر التفاح التي تفتّحت في تلال دايغو. أظن أن منظر دايغو التي تتواجد فيها المنازل بين أشجار التفاح التي تفتحت زهورها البيضاء ترك الإلهام الشعري الكبير في ذهني. غير أن دايغو الحالية تختلف اختلافا كبيرا عن دايغو القديمة التي أتذكرها. أصبحت دايغو مدينة كبيرة يقطنها ٢.٥ مليون نسمة، حيث اختفت الكثير من بساتين التفاح بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري.
في حديقة بيت سويتزر الذي بُني حوالي عام١٩١٠ ، تنتصب شجرة التفاح التي تُعتبر أقدمنسخة من سلالة شجرة التفاح الأولى في كورياالتي يعود أصلها إلى أمريكا. وفي هذا البيتسكنت مارثا سويتزر المبشرة بالمسيحية التيدُفنت في حديقة الرحمة المجاورة للبيت.
شوارع سجلت لحظات تاريخية للعصر الحديث
يحب أهل دايغو تسلق التل الصغير المسمى بتل تشونغرا الذي يدل اسمه على اللبلاب الأخضر، حيث تقع عليه مختلف المباني الحديثة التي بُنيت على الطراز الغربي منذ زمن، بما فيها المدرسة والكنيسة والمستشفى. لقد خطر ببالي أن السكان القدماء في دايغو اعتبروا هذه المباني غير مألوفة آنذاك. وربما لأنهم استغربوا الانسجام بين اللبنات الحمراء للمباني واللبلاب الأخضر المعلق عليها. ولكن الآن، يحبها السكان المحليون كثيرا حتى أنهم يسمون تل تشونغرا بـ»تل مونمارتر».
ألف الملحن باك تاي جون ( 1903-1986م) الذي وُلد في مدينة دايغو أغنية «ذكريات عن صديقتي» بناء على تجربته الشخصية. وكان الملحن يحب سراً طالبة من مدرسة سينميونغ. واعترف إلى صديقه الشاعر لي أون سانغ (١٩٠٣-١٩٨٢م) أنه واقع في الحب من طرف واحد. وبناءً على قصته، كتب الشاعر كلمات الأغنية في عام ١٩٢٢.
« قلبي مثل تل تشونغرا / وصديقتي مثل زهرة الزنبق / عندما تتفتح في قلبي / تختفي جميع مشاعر الحزن». تركت هذه الأغنية انطباعا كبيرا في قلوب الكوريين الذين يعانون من مشاعر الحب من طرف واحد. وأصبحت أغنية يحبها الشعب الكوري.
في تل تشونغرا ثمة ثلاثة بيوت سكن فيها المبشرون بالمسيحية الذين جاءوا إلى كوريا في أواخر القرن التاسع عشر. منها بيت سويتزر الذي تنتصب شامخة في حديقته شجرة التفاح التي تُعتبر من السلالة الأصلية لأول شجرة تفاح جُلبت من أمريكا إلى كوريا. ففي عام ١٨٩٩، غرس الطبيب الأمريكي وأول رئيس لمستشفى دونغسان وودبريدج جونسن، شتلة التفاح التي نقلها من ولاية ميزوري الأمريكية في أرض دايغو لأول مرة. وعلى الرغم من أن هذه الشجرة الأولى ليست موجودة حاليا، فقد بقيت سلالتها أصلا لشجر تفاح دايغو المشهور. شعرت في هذه الحديقة بعبق التاريخ الذي يفوح من شجرة التفاح، حيث أعجبتني حبات التفاح الحمراء التي يتشابه حجمها مع حبات البرقوق الكبيرة.
ثم اتجهت إلى «شارع السلم ذي ٩٠ درجة» المعروف أيضا باسم «شارع حركة الأول من مارس» الذي يربط بين تل تشونغرا ووسط المدينة. يذكر أنه في الأول من مارس من عام ١٩١٩، خرج الشعب الكوري في أرجاء البلاد مناهضين للاحتلال الياباني. وفي دايغو أيضا، خرج الطلاب إلى وسط المدينة عبر هذا الشارع معلنين أنهم شعب مستقل. وآنذاك، ارتدى الطلاب الذكور ملابس التجار لإخفاء هوياتهم الحقيقية عن أنظار الشرطة اليابانية، وأما الطالبات فخرجن مع الأوعية الكبيرة لغسل الملابس كما لو كُنّ ذاهبات إلى مكان غسيل الثياب.
يؤدي هذا السلم إلى الطريق الكبير الذي تقع مقابله كنيسة غيسان. وبُنيت الكنيسة في عام ١٩٠٢ على الطراز القوطي، وتُعتبر أول مبنى بُني بالأسلوب المعماري الغربي في مدينة دايغو. كما أن هذه الكنيسة ضمن أقدم الكنائس في كوريا. عندما دخلتُ الكنيسة، كان يجرى القداس فيها. وأعجبني صوت القس الكاثوليكي وأشعة الشمس الدافئة التي دخلت عبر نوافذ الزجاج المعشق. وفي الخامس من مايو ١٩٨٤، ترأس بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني القداس الخاص بإعلان قداسة القديسين الكوريين الـ١٠٣ في كنيسة غيسان. ربما لا أحد كان يتوقع أن يترأس البابا القداس فيها عندما بُنيت قبل ٧٢ عاما.
بُنيت كنيسة غيسان في عام ١٩٠٢ علىالطراز القوطي وتُعتبر أول مبنى بالأسلوبالمعماري الغربي في مدينة دايغو. كما أنهاتمثل رمزاً للأسلوب المعماري الذي استخدمهالمسيحيون الكوريون الأوائل.
يتشابه حجمها مع حبات البرقوق الكبيرة.
ثم اتجهت إلى «شارع السلم ذي ٩٠ درجة» المعروف أيضا باسم «شارع حركة الأول من مارس» الذي يربط بين تل تشونغرا ووسط المدينة. يذكر أنه في الأول من مارس من عام ١٩١٩، خرج الشعب الكوري في أرجاء البلاد مناهضين للاحتلال الياباني. وفي دايغو أيضا، خرج الطلاب إلى وسط المدينة عبر هذا الشارع معلنين أنهم شعب مستقل. وآنذاك، ارتدى الطلاب الذكور ملابس التجار لإخفاء هوياتهم الحقيقية عن أنظار الشرطة اليابانية، وأما الطالبات فخرجن مع الأوعية الكبيرة لغسل الملابس كما لو كُنّ ذاهبات إلى مكان غسيل الثياب.
يؤدي هذا السلم إلى الطريق الكبير الذي تقع مقابله كنيسة غيسان. وبُنيت الكنيسة في عام ١٩٠٢ على الطراز القوطي، وتُعتبر أول مبنى بُني بالأسلوب المعماري الغربي في مدينة دايغو. كما أن هذه الكنيسة ضمن أقدم الكنائس في كوريا. عندما دخلتُ الكنيسة، كان يجرى القداس فيها. وأعجبني صوت القس الكاثوليكي وأشعة الشمس الدافئة التي دخلت عبر نوافذ الزجاج المعشق. وفي الخامس من مايو ١٩٨٤، ترأس بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني القداس الخاص بإعلان قداسة القديسين الكوريين الـ١٠٣ في كنيسة غيسان. ربما لا أحد كان يتوقع أن يترأس البابا القداس فيها عندما بُنيت قبل ٧٢ عاما.
هل يأتي الربيع في هذه الأرض المحتلة؟الآن أصبحت أرضا للآخر
تظل عليّ أشعة الشمس المبهرة
وأمشي على الممر بين حقول الأرز كأنني أمشي في حلم
متجهاً للمكان الذي التقت فيه السماء الزرقاء مع السهل الأخضر
هكذا يبدأ الشعر «هل يأتي الربيع في هذه الأرض المحتلة» الذي ألفه الشاعر لي سانغ هوا. أثار هذا الشعر قلوب الكوريين الذين كانوا يتطلعون إلى الحرية والاستقلال. ففي الوقت الذي أغلقت سلطات الاحتلال الياباني مجلة غايبيوك للآداب التي نشرت هذا الشعر، فإن هذا الإجراء كان يشير إلى حجم القلق والخوف لدى سلطات الاحتلال الياباني من تدعياته.
اتجهتُ إلى شارع جين الذي يعني الشارع الطويل بلهجة دايغو. فعندما تسمع أحدا من أهل مدينة دايغو يقول: «سأراك هناك»، فإن « هناك» تعني عموما شارع جين. وللمفارقة فإن شارع جين ليس طويلاً على الرغم من أن
اسمه يعني « الطويل». ويختلف اختلافا كبيرا عن الشوارع في مدينة فاراناسي الهندية، حيث يضل الكثير من الناس طريقهم. كما أن شارع جين يختلف تماماً عن الشوارع العتيقة في مدينة فاس التي أُدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. ربما كان السبب في ذلك يعود إلى اختلاف الوضع الاجتماعي للناس الذين يترددون على هذه الشوارع. فقد كان شارع جين مسرحا لحياة النبلاء الذين شكلوا الطبقة الاجتماعية العليا في مدينة دايغو، غير أن الشوارع في مدينتي فاراناسي وفاس كانت مكان الحياة لعامة الناس.
أتذكر زيارتي الأولى لمدينة فاراناسي. آنذاك، دخلت أحد شوارعها المتجهة لمكان إحراق جثث الموتى راغباً في رسم خريطة المتاهة للمدينة. لكن الشارع الذي يقل عرضه عن متر كان مليئا بالطين الذي سببته الأمطار الموسمية وانتشرت فيه الرائحة الكريهة. كما أنني كنت أشهد كل خمس دقائق مسيرة أناس لنقل جثة ميت إلى مكان حرق الموتى وكنت أسمع أيضا أصوات المصلين المخيفة للإله شيفا الهندي. وكان يتواجد فيه الكثير من الأبقار. وعندما يدخل البقر هذا الشارع الضيق، يستطيع المرء أن يشعر بنفسه. في ذلك اليوم، تخليت عن حلمي لرسم خريطة المتاهة للمدينة. لأنني أدركت أن الخبرات التي اكتسبتها خلال السفرات السابقة لم تكن كافية لمواجهة الشوارع في فاراناسي.
إن المقاهي الأنيقة التيصُممت على الطرازالحديث تجذب أنظار الشبابوالمسافرين في هذه الأيام. فقدأصبح شارع "ياكجون" شارعالا مثيل له في العالم، حيثرائحة الأعشاب الطبية تمتزجبرائحة القهوة. لا نستطيع أننجد له مثيلا حتى في مدينةفاراناسي أو فاس.
١٩٤٣ ( المشهور بأعماله - 1. سكن الشاعر لي سانغ هوا ) ١٩٠١المناهضة للاحتلال الياباني في هذا البيت خلال أربعة أعوام منذ عام١٩٣٩ حتى موته. وأصبح البيت الآن متحفا لتكريم الشاعر وتخليدأعماله الشعرية ويزوره الكثير من الناس.
السعادة في السوق التقليدية
انتقلتُ من شارع جين إلى سوق ياكريونغ التي تبعد عنه عشر دقائق مشيا على الأقدام. يحب أهل دايغو أن ينادوها بشارع ياكجون الذي يعني اسمه متاجر الأدوية. عندما دخلت السوق، استطعت أن أشم رائحة الأعشاب الطبية المغلية بالماء. ويقول أهل مدينة دايغو عن هذا الشارع «إن مجرد المشي في شارع ياكجون يُشفي جميع الأمراض»، وهذا يشير إلى حجم اعتزاز وفخر أهل المدينة بهذا المكان.
تمثل رائحة الأعشاب الطبية جوهر الطب الشرقي الذي يعتبره الغربيون نوعا من السحر. نثق بأن الرائحة الفريدة التي تنبعث من الأعشاب تكافح الأمراض في جسم الإنسان. في هذا الصدد، يمكن أن أقول إن الناس الذين يعيشون بالقرب من هذا الشارع سعداء. لأن أعراض الأمراض البسيطة مثل الزكام وعسر الهضم تزول بمجرد التجول ساعة أو ساعتين في شارع ياكجون. كم هم محظوظون بذلك! لقد أصبح هذا الشارع مشهورا بكثرة المتاجر التي تبيع الأعشاب الطبية منذ عام ١٦٥٨، حيث كانت تُقام سوق الأعشاب الطبية مرتين كل سنة، في فصلي الربيع والخريف. وفي ذروته، زاره الكثير من التجار الأجانب من اليابان والصين، فضلا عن التجار من العالم العربي.
إن المقاهي الأنيقة التي صُممت على الطراز الحديث تجذب أنظار الشباب والمسافرين في هذه الأيام، فقد أصبح شارع ياكجون شارعا لا مثيل له في العالم، حيث رائحة الأعشاب الطبية تمتزج برائحة القهوة. لا نستطيع
أن نجد له مثيلا حتى في مدينة فاراناسي أو فاس. فإذا كنتَ تهتم اهتماما خاصا بتلك الرائحة فعليك بزيارة هذا الشارع.
بعد ذلك، تمشيت باتجاه سوق سومون. عندما وصلت إليها، قدّرت بأني في أكبر سوق في الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية. شهدت فيها سلاسل لا نهاية لها من المتاجر التي تبيع السلع المتنوعة، بما فيها الفواكه والخضراوات والملابس والأسماك الحية واللحوم والأسماك المجففة. تجولت في السوق التي لا أعرف نهايتها ماضغا الحبار المجفف الذي اشتريته منها.
عادة ما نشعر بالسعادة عندما ننجح في المساومة مع التجار في الأسواق التقليدية. أتذكر في سوق سومون زيارتي للبازار الكبير بإسطنبول الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر الميلادي. كان في البازار الكبير حوالي خمسة آلاف متجر تبيع البضائع المتنوعة، آنذاك شعرت أن عبق التقاليد العريقة يفوح منها. وكانت تتميز جميع البضائع التي تُباع في البازار، بما فيها المستلزمات اليومية والأثاث والملابس والحرير والمنتجات الفضية والسجاد، بالتصميم العريق الذي يعود إلى العصور الوسطى.
في البازار، اشتريت سجادة يدوية الصنع. حينئذ، قلت لصاحب المتجر إنني سأشتري السجادة إذا أعطاني ضمانة بأنها ستصل إلى كوريا بالتأكيد. بعد أن سمع كلامي، أخرج صاحب المتجر بعض وثائق العقود القديمة من الخزانة. وفاجأني أن هذه الوثائق يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر والسادس عشر الميلادي. كما أنني رأيت العبارة المخيفة «ستموت إذا لم تلتزم بوعدك» المكتوب على الوثائق مع صورة الجمجمة. وفي تلك اللحظة، وثقت بالبائع. وبعد أسبوعين من عودتي إلى كوريا، وصلت السجادة إلى منزلي.
شوق إلى مطرب تُوفي شابا
تشكلت سوق بانغتشون خلال الحرب الكورية بتجمع النازحين واللاجئين الذين لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم. وفي ذروتها، بلغ عدد المتاجر حوالي ألف متجر، وهذا العدد يشير إلى معاناة الناس الذين اضطروا للهروب من موطنهم بسبب الحرب. لكن، مع مرور الوقت الذي شهدت فيه السوق الازدهار والانهيار، تحولت سوق بانغتشون إلى سوق عادية يتجمع فيها الفقراء.
وفي الآونة الأخيرة، أصبحت سوق بانغتشون مكاناً لتكريم المطرب كيم غوانغ سوك بفضل جهود الناس الذين أرادوا إحياء السوق. رُسمت الرسوم الجدارية تكريما لحياة المطرب وأغانيه على جدار شارع السوق الضيق الذي يتسع لثلاثة أو أربعة أشخاص فقط. كما تزيّن جدران الشارع بأقواله وكلمات أغانيه المشهورة. وبُني مسرح الهواء الطلق حيث تُقام العروض لأغاني المطرب كيم. والآن يمكن أن نسمع أغاني الموسيقيين المتجولين التي تملأ شارع السوق.
كيم غوانغ سوك هو من أكثر الموسيقيين المحبوبين في كوريا. وأعطت أغانيه الشعب الكوري قوة للتغلب على الحزن والمصاعب التي عانوا منها في عصر الدكتاتورية العسكرية والسلطوية. والتحق الشباب الكوريون في
عشرينياتهم بالخدمة العسكرية الإلزامية مغنين أغنيته «رسالة الجندي» وأحب الناس الذين بلغت أعمارهم الثلاثين عاما أن يغنوا أغنية «بحلول سن الثلاثين». كما أن أغنية «حكاية حب للزوجين المسنين» عكست الحياة الصعبة التي عاشها كبار السن.
عندما وصلت إلى الشارع، فاجأني مظهر الشارع الذي يكتظ بالمطاعم التي تبيع مشاوي أمعاء البقر والغنم. لعل هذا الشارع أكبر شارع في العالم تُباع فيه أطباق الأمعاء المشوية. لكن، لم أستطع أن أتعشى هناك، لأنني لست شجاعاً بدرجة كافية لدخول مطعم مزدحم وحدي. بدا الشارع وكأنه يقول لي «زرنا مع أصدقائك للأكل والشرب والحوار والحب».
إن الخطة التي هدفت إلى تحويل السوق القديمة إلى مكان خاص لتخليد المطرب الأسطوري الذي وُلد فيها حققت نجاحا كبيرا. والآن يزورها الكثير من الناس الذين يأتون من أرجاء البلاد لإحياء ذكرى المطرب وأغانيه. ولا نبالغ إذا قلنا إن سوق بانغتشون أصبحت مكاناً مقدساً لمحبي المطرب كيم غوانغ سوك. وهذا لا يقتصر على الكوريين فقط، بل يشمل الأجانب الذين يحبون أغاني هذا المطرب الذي تُوفي وهو بعدُ في سن الثانية والثلاثين. ولهذا، يمكن أن نرى العديد من السياح من دول شرق آسيا والصين واليابان في سوق بانغتشون.
بعد غروب الشمس، ذهبت إلى شارع آنجيرانغ المشهور بمطاعم الأمعاء المشوية لتناول العشاء. وأرشدتني إليه خريطة الدليل التي تصفه بـ»شارع الشباب»، لأن هذه العبارة تثير الاشتياق لفترة الشباب. أظن أن الشباب لا يتجمعون في هذا الشارع فحسب، بل يزوره كل من لديه اشتياق لفترة الشباب التي مرت منذ زمن.
وجدت في الخريطة شارعا آخر باسم شارع سوق دوكايبي الليلية الذي يقع في كيو- دونغ، وقلت لنفسي «حسنا، سأذهب إليه. يمكن أن أتعشى مع بعض الدوكايبيين الذين يشعرون بالوحدة». شعرت بالسعادة لمجرد التفكير بالالتقاء مع دوكايبيّ وبناء صداقة معه مثلما قرأت في بعض قصص الأطفال.
لنا قصصا لا نهاية لها.
تُعد سوق ياكريونغ أكبر سوق للأعشاب الطبية في الشطرالجنوبي من شبه الجزيرة الكورية حيث يعود تاريخها إلى عام١٦٥٨ . وفي ذروتها، زارها الكثير من التجار الأجانب من اليابانوالصين فضلا عن التجار من العالم العربي.