كان جونغ ياك-يونغ يشارك الملك جونغجو ذا التوجهات الإصلاحية الحلم بنهضة مملكة جوسون. وحقق جونغ إنجازات علمية في العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية وغيرها من مجالات متنوعة وأكد على ترجمة الأفكار إلى إجراءات عملية على أرض الواقع. ويُشار إلى أن هذا العام يصادف الذكرى الـ٢٠٠ لنشر كتابه المعنون بـ «نصائح للحكام (موكمين سيمسو)» وكذلك يصادف أيضا إطلاق سراحه من المنفى الذي مكث فيه ١٨ سنة. وعلى الرغم من مرور أكثر من ١٨٠ عاما على وفاته، فإنه يمكن القول إننا ما زلنا نشعر بقلبه ينبض في نهر «جوتشون»، النهر الصغير الذي يمر بالقرية التي وُلد فيها.
يلتقي نهر هان الشمالي مع نهر هان الجنوبي في " دومولموري"في منطقة " يانغبيونغ"بمحافظة كيون ّ غي"ثم يتجه إلى نهر هان الكبير.وقد فقدت منطقة " دومولموري"وظيفتها كمحور لنقل األشخاص والسلع.لكن الضباب الذي يعلو سطح النهر ما زال لهم الفنانين
تختفي الأشياء في الضباب الذي يحجب الرؤية عنها. إلا أنه لا يخفي العالم بأكمله. ولا يزال نظري يبقى معلقا على الفضاء بين الأشياء المكشوفة والأشياء المخفية. ويثير التوازن بين الأجزاء المكشوفة بالكامل والأجزاء شبه المحجوبة الفضول الجمالي. من معبد «سوجونغ»، أنظر إلى «دومولموري» الذي يشتهر بين الشعراء والفنانين الذين يريدون إنشاد بضعة أبيات حول جمال نهر هان وضخامته أو تصوير المناظر الجميلة بفرشاة. كما أن المصورين الفوتوغرافيين الهواة يفضلون هذه المناظر الجميلة.
يصادف هذا العام الذكرى الـ٠٠٢ لنشر كتاب " نصائح للحكام عتبر من أهم أعمال " جونغ ياك-يونغ."وينتقد (موكمين سيمسو")الذي يُ هذا الكتاب المكون من ٨٤ مجلدا طغيان الموظفين الحكوميين وتسلطهم ويؤكد أهمية أن يقوم الحكام المحليون بخدمة الشعب
المعبد القديم والضباب
عادة ما يُطلق اسم «دومولموري»، ومعناه الحرفي «رأس الاثنين من المياه»، على المكان الذي يلتقي فيه النهران. وهنا، يشير «دومولموري» إلى الجزء الجنوبي من «يانغسوري» في محافظة «كيونغّي» حيث يلتقي نهر هان الشمالي بنهر هان الجنوبي. ويُشار إلى أن «دومولموري» يقع على بعد ساعة بالسيارة من مدينة سيول. وفي الطريق إليه، نَمرّ بمدينة «هانام» ونعبر جسر «بالدانغ» ثم نصل إلى هذا المكان الهادئ الذي تتناغم فيه مناظر الأنهار والجبال بشكل بديع. وهو وجهة مثالية لقضاء عطلة نهاية الأسبوع بالنسبة للمقيمين في العاصمة والعشاق. ويمكن الوصول إلى معبد «سوجونغ»الكائن على بعد ٣٠٠ متر عبر المسار المنحدر على جبل «أونكيل». ومن المعبد، يمكن رؤية منظر النهرين يلتقيان ويتدفقان معا ليشكلانهر هان.
كان في «دومولموري» مرسى للسفن يقع على الطريق المائي الذي يربط بين «جونغسون» بمحافظة «كانغ ون» و»دانيانغ» في محافظة «تشونغتشونغ» الشمالية فضلا عن ميناء «توكسوم» وميناء «مابو» في العاصمة. لكن، عندما بُني سد «بالدانغ» على حوض النهر، فقد هذا المكان التاريخي وظيفته كطريق مائي بشكل كامل. وأدى إنشاء السد إلى توسيع عرض النهر وتخفيف سرعة التدفق المائي. وأصبحت بيئة النهر مشابهة لبيئة البحيرة التي يغطيها القيصوب واللوتس والنباتات المائية المتنوعة. واستفادةً من هذه التغيرات، بُنيت حديقة «سيمي» وحديقة «داسان» الإيكولوجية على جوانب النهر مع المرافق والمنحوتات المتعددة، حيث يزورها الكثير من الناس حتى في وسط أيام الأسبوع.
إن أجمل الظواهر الطبيعية هو ضباب الصباح. ففي وقت الفجر حيث يصبح الفرق في درجات الحرارة بين الماء والأرض كبيرا، يعلو الضباب فوق سطح النهر. وفي البداية، يتشكل الضباب على بحيرة «تشونغبيونغ» ثم ينتقل إلى الجبال تدريجيا وأخيرا ينزل إلى شاطئ «دومولموري» حين تبدأ الشمس في الشروق. وإذا صادف شخص محظوظ هذا المنظر الخلاب، فيتوقف عن السير مسحورا بجمال المنظر المذهل الذي يجعله يختزن الذكريات في أعماق قلبه. وإذا نظرتَ إلى شروق الشمس فوق «دومولموري» من معبد «سوجونغ» الذي يُعتبر أرقى المناظر المبهرة لنهر هان، فستجد نفسك تذهب إلى المقهى الصغير القريب من موقف السيارات وتتبادل بضع كلمات مع السيدة التي تديره. وستريك في هاتفها بعض الصور التي جذبتها إلى هذا المكان.
عندما تم إطالق سراح " جونغ ياك-يونغ"من المنفى الذي مكث فيه ٨١ سنة، عاد إلى قريته " ماجاي"التي تقع في " ناميانغجو"بمحافظة "كيون ّ غي."وعاش فيها السنوات الثماني عشرة األخرى الباقية في حياته. وحلم بقضاء األوقات المتبقية من حياته يصيد األسماك في القرية التي و ُ لد فيها
عندما كان جونغ ياك-يونغ (١٧٦٢-١٨٣٦) الذي أُطلق عليه لقب «داسان» بمعنى «جبل الشاي» في الثانية والعشرين من عمره زار مع عشرة من أصدقائه معبد «سوجونغ» بعد أن اجتاز امتحان اختيار الموظفين الحكوميين على المستوى الأدنى في ربيع عام ١٧٨٣. وزار «جونغ» المعبد ليهنئ نفسه ويحقق رغبة والده في أن يزور منزله مع أصدقائه بطريقة غير مزعجة. ولقد مرت سبع سنوات منذ أن ترك «جونغ» بيته وذهب إلى مدينة سيول بعد أن تزوج وهو في سن الخامسة عشرة، ليدرس للامتحان الوطني، حيث كان والده يشعر بقلق عميق خلال تلك السنوات. وعاد «جونغ» إلى بيته مسرورا تستحوذ عليه رغبة في تعزيز التضامن بين الجنوبيين «نامئين»، وهم فصيل سياسي ينتمي إليه أقاربه.
تحيط المناظر الطبيعية الجميلة بمعبد «سوجونغ» الذي يعود تاريخه إلى أكثر من ألف عام. ولم يكن بيت «جونغ» الذي يقع في قرية «ماجاي» الذي يعني اسمها «تل الخيل» بعيدا عن المعبد. ولذلك، كان في طفولته، يزور المعبد كثيرا لقراءة الشعر وتأليفه. وخلال زيارته بعد النجاح في الامتحان، طلب «جونغ» المشروبات الكحولية وكتب الشعر تحت ضوء القمر مستمتعا بـ»متعة الرجل البالغ الذي عاد إلى المكان حيث كان يلعب في طفولته». وسجل «جونغ» الأحداث التي وقعت في ذلك الوقت في كتابه بعنوان «الرحلة إلى معبد سوجونغ (سوجونغسا يورامكي)».
الذكرى الـ٢٠٠ للعودة من المنفى
يحظي «جونغ ياك-يونغ» باحترام كبير عند الكوريين بالقدر الذي يحظي به الفيلسوف الألماني يوهان غوتليب فيشته عند الشعب الألماني والفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري آروويه المعروف باسم فولتير عند الفرنسيين. ترك «جونغ» مجموعة كبيرة من الكتب والسجلات الأخرى المبنية على المبدأ الكونفوشيوسي الإصلاحي المسمى بـ»كيونغسي تشييونغ» الذي كان متقدما في وقته وأكد على الجانب العملي لسياسات الحكومة. وفي عام ٢٠١٢، أُدرج «جونغ ياك-يونغ» ضمن القائمة السنوية لشخصيات العالم التي نشرتها اليونسكو وتضمنت أيضا «هرمان هيسه» و»كلود ديبوسي» و»جان جاك روسو». ويُشار إلى أن هذا العام يصادف الذكرى الـ٢٠٠ لنشر كتابه المعنون بـ»نصائح للحكام (موكمين سيمسو)» ويصادف أيضا إطلاق سراحه من المنفى الذي مكث فيه ١٨ سنة والعودة إلى قريته «ماجاي». وفي الربيع، عقدت بلدية مدينة «ناميانغجو» التي تقع فيها قرية «ماجاي» واللجنة الوطنية الكورية لليونسكو ندوة عالمية في العاصمة سيول للاحتفال بهذه المناسبة.
علينا أن نستشير «جونغ ياك-يونغ» كل سنة عبر كتبه التي يبلغ عددها حوالي ٥٠٠ كتاب. وكان الملك «كوجونغ» الذي كافح من أجل حماية المملكة ضد القوى الخارجية في أواخر التسعينيات من القرن قبل الماضي كلما شعر باليأس من تحقيق أحلامه بالإصلاح والحكم الذاتي، عاد إلى كتب «جونغ» وقرأها. وكان الملك يشعر بالأسف لعدم عيشه في عصر «جونغ».
فناء البيت المعروف باسم " يويودانغ"حيث و ُ لد جونغ ياك-يونغ ونشأ وقضى سنواته األخيرة.وتم ترميمه عام ٧٥٩١ ليصبح جزءا من موقع " داسان"األثري. ويأتي اسم البيت من نصيحة " لوزي:"تعام ْل مع كل شيء بعناية وشيء من الخوف في القلب
وعلى الرغم من أن هذه المقالة تهدف إلى استكشاف جزء من ضفة نهر هان حيث وُلد «جونغ ياك-يونغ» ونشأ وقضى سنواته الأخيرة فضلا عن الاطلاع على آثار حياته وأفكاره واحدا تلو الآخر، فإنني لا أريد أن أصفه بأنه كان عالما صارما. لقد قرأ «جونغ» كتابا بعنوان «الحروف الألف التقليدية» في سن الرابعة وكتب قصيدة في سن السابعة وألف مجموعة من قصائده في سن العاشرة. وبغض النظر عن عبقريته، فهناك بعض السجلات التي تشير إلى جوانب من حياته كإنسان عادي. فعلى الرغم من أنه جذب انتباه الملك «جونغجو» بعد نجاحه بالكاد في امتحان اختيار الموظفين الحكوميين ذوي المستوى الأدنى، فقد فشل «جونغ» عدة مرات في اجتياز الامتحانات الرفيعة المستوى حتى بلوغ سن الثامنة والعشرين. ولا أظن أن جونغ يريد أن يتذكره الناس كرجل عنيد وضيق الأفق.
يحظي «جونغ ياك-يونغ» باحترام كبير عند الكوريين بالقدر الذي يحظي به الفيلسوف الألماني يوهان غوتليب فيشته عند الشعب الألماني والفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري آروويه المعروف باسم فولتير عند الفرنسيين. وعلينا أن نستشير «جونغ ياك-يونغ» كل سنة عبر كتبه التي يبلغ عددها حوالي ٥٠٠ كتاب لإيجاد الطريق الصحيح في حياتنا.
حديقة " سيمي"، وهي حديقة إيكولوجية في " يانغبيونغ"، مشهورة بكونها مصيفا.وتتسم الحديقة بوجود ٠٧٢ نوعا تمثل النباتات المائية ٠٧ نوعا منها
الهروب من القصر لمدة ثلاثة أيام
انضم «جونغ» الذي عينه الملك «جونغجو» إلى معهد الأبحاث الملكي المسمى بـ»كيوجانغّاك» وتولى بعض المناصب المهمة وشارك في تصميم وتنفيذ السياسات الإصلاحية للملك «جونغجو». ولكنْ، هناك سجلان على الأقل يشيران إلى إهماله للواجب، ويبدو أن الهوس الغريب الذي يحمله في شخصيته يتطابق مع مواهبه وقدراته. ففي يوم ما أخذ «جونغ» إجازة دون إذن، بعد أن أبدى رغبته في زيارة والده الذي كان يعمل قاضيا في «جينجو» التي تقع بعيدا عن العاصمة. وكان في سنته الثانية كباحث مقيم مشارك في الدورة التدريبية الخاصة بالمعهد الملكي. وعندما علم الملك بذلك، أمر بجلبه إلى المحكمة ومعاقبته بـ٥٠ جلدة. لكن الملك ألغى أمر إيقاع العقوبة على جونغ بعد فترة وجيزة ومنحه عفوا.
وعندما كان يعمل أمينا للملك ويتولى توزيع الأوامر الملكية، هرب من عمله مرة أخرى. وتحدث «جونغ» عن هذا الحدث في كتبه قائلا:«في عام ١٧٩٧، سكنتُ في سفح جبل نام بالعاصمة سيول. وعندما رأيت أزهار الرمان تتفتح بجانب الجداول المائية الصافية، أدركت أنه الوقت المثالي لصيد الأسماك في «تشوتشون». وعلى الرغم من أن القواعد تنص على أن المسؤولين الحكوميين يقدرون على المغادرة من العاصمة بعد تقديم الطلب للحصول على الإذن، فقد كان من المستحيل الحصول على هذا الإذن الرسمي لقضاء العطلة. لكن، غادرت متجها لـ»تشوتشون». وفي اليوم التالي، ألقيت الشبكة في النهر لصيد الأسماك ونحجت في صيد ٥٠ سمكة بين صغيرة وكبيرة. ولم يقدر القارب الصغير على حمل الأسماك. ولذلك، انتقلت إلى قارب آخر ووصلت إلى «نامجاجو» حيث تناولنا الأسماك بتلذذ.»
كان «تشوتشون» جدولا مائيا صغيرا يحيط به القيصوب يقع في القرية التي نشأ فيها «جونغ». وبالنسبة له كان «تشوتشون» رمزا للمنزل. وأما «نامجاجو» فإنها جزيرة رملية صغيرة تقع في الجزء الأسفل من «دومولموري». لكن، مغامرة «جونغ» لم تتوقف هناك. فبعد تناول الأسماك، شعر «جونغ» بالرغبة في التمتع بالمناظر الطبيعية الخضراء. وحث أصدقاءه على عبور النهر والاتجاه إلى «تشونجينآم» في مدينة «كوانغجو»، حيث درس «جونغ» وإخوته العقائد الكاثوليكية. وكان عليهم السير على الأقدام لمسافة ١٠ كيلومترات للوصول إلى هذا المكان المخفي الذي يقع في أعماق الجبال.
«نحن الإخوة الأربعة ذهبنا إلى «تشونجينآم» مع عدد من الأقارب الآخرين. وعندما وصلنا إلى الجبال، أحاطت بنا الغابة الكثيفة الخضراء حيث تتفتح الأزهار في كل مكان ودغدغت رائحتها أنفي. وكانت الطيور المتنوعة تغرد بصوت صاف وجميل. وعندما سمعنا أغنية الطيور، توقفنا عن السير للاستمتاع بها. وصلنا إلى المعبد وقضينا وقتنا في الشرب وإنشاد القصائد الجميلة. ولم نعد إلا بعد ثلاثة أيام. وكتبتُ ٢٠ قصيدة في ذلك الوقت، وأكلنا ٥٦ نوعا من الأعشاب الجبلية الطبيعية، ومنها كيس الراعي والسرخس وحشيشة الملاك.» (المجلد ١٤، المجموعة من الشعر والنثر لـ»داسان» المسماة بـ»داسان سيمونجيب»)
ولا يُعرف ما إذا كان هذا الغياب عن العمل قد أُبلغ للملك أم لا.
المناظر الخالبة لـ"دومولمولي"التي يمكن مشاهدتها من معبد " سوجونغ"بجبل " أون غيل" تجذب الشعراء والفنانين منذ زمن بعيد.كان جونغ ياك-يونغ يتردد في طفولته على المعبد الذي لم يكن بعيدا عن مسقط رأسه للقراءة وكتابة القصائد
احذر كأنك تعبر نهرا مغطى بالجليد
خلال فترة مملكة جوسون، استخدم الكثير من الناس «هو» الذي يعني «اسم قلمي» أو «اسم فني». وكان الناس ينادون أصدقاءهم أو أقاربهم بهذه الأسماء المستعارة بدلا من أسمائهم الحقيقية. وبشكل عام، كان الاسم الفني ينعكس على شخصية صاحبه أو السمات الخاصة به. وفي بعض الأحيان، كانت تطلق الأسماء الخاصة على البيوت أيضا واستخدم البعض اسم بيته كاسم فني له. وعندما رجع «داسان» إلى بيته بعد التقاعد من الخدمة الحكومية، أطلق على مكتبته اسم «يويودانغ» الذي يعني بيت الارتياح.«أعرف نقاط ضعفي بشكل جيد. لدي أفكار شجاعة ولكن لست مبدعا لترجمتها إلى أشياء على أرض الواقع. أود القيام بأعمال خيرة ولكن ليس لدي نظرة ثاقبة في اختيار الأولوية. للأسف، تؤدي الجهود التي لا نهاية لها إلى اللوم. قال «لوزي» المعروف أيضا بـ»تاو تي تشينغ» إنه عندما يفعل شخص ما يريده فعليه التردد فيه مثلما يعبر نهرا مغطى بالجليد، وعندما يفعل شخص ما يلزمه فعليه الحذر كأولئك الذين يخافون من كل ما حولهم. للأسف، هذا القول صحيح. لكنه يعطيني علاجا للتغلب على نقاط ضعفي.»
وكان من المستحيل أن يتجنب «جونغ» ظهور الأعداء السياسيين بسبب كونه مسؤولا شابا يفضله الملك الإصلاحي. وكان «جونغ» يهتم بـ»سوهاك»، أي العلوم الغربية فضلا عن العقائد الكاثوليكية، مما يعني أن الملك لا يقدر على حمايته فيما يتعلق بهذه الأمور الخطيرة. وفي يناير من عام ١٨٠٠، تقاعد «جونغ» من العمل وعاد إلى قريته حيث لا يحتاج فيها إلا إلى كوخ وقارب صغير لصيد الأسماك. رغب «جونغ» في أن يعيش مع عائلته على القارب ويصيد الأسماك في «تشوتشون». وتعبيرا عن هذه الرغبة قام بإعداد لوحة اسم القارب. لكن، هذه اللوحة لم تعلّق أبدا، لقد بدأ عهد اضطهاد الكنيسة الكاثوليكية بعد موت الملك «جونغجو» المفاجئ في صيف ذلك العام، مما هدد حياة «جونغ ياك-يونغ» وأخيه الكبير الثاني «جونغ ياك-جون» وتمّ نفيهما للعيش في أماكن بعيدة. وقد استشهد أخوه الكبير الثالث «جونغ ياك-جونغ» الذي تشبّث بإيمانه بقوّة.
فضلا عن «داسان»، كان لدى «جونغ ياك-يونغ» اسم فني آخر، وهو «سامي» الذي يعني ثلاثة حواجب. والحواجب الثلاثة هذهترتبط بالجدري الذي عانى «جونغ» منه في طفولته وترك ندبة على جبينه، مما جعله يبدو وكأنه لديه ثلاثة حواجب. وقد أنجب «جونغ» تسعة أطفال ولكن الجدري والحصبة أوديا بحياة ستة منهم. وسمع «جونغ» خبر وفاة ابنه الأصغر في المنفى. عبر «جونغ» عن حزنه العميق في كتابه قائلا: «من الأفضل لي أن أموت بدلا من العيش. لكن لا أزال على قيد الحياة. ومن الأفضل لك أن تعيش بدلا من الموت ولكنك لقيت حتفك.»
ترك «جونغ» كتابات مؤثرة أعرب فيها عن حزنه على أطفاله المفقودين. ودُفن أولاده جميعهم إلا ابنته الكبرى التي تُوفيت بعد أربعة أيام من الولادة في مقبرة العائلة التي كانت تقع على الجبل وراء قريته. وبدافع من حزنه الشخصي، تعمق «جونغ» في دراسة علاج الأمراض المعدية وألف كتابين، أحدهما عن علاج الحصبة والآخر عن الوقاية من الجدري.
قضاء الصيف بجانب نهر هان
مكث «جونغ» في المنفى لمدة ١٨ عاما. وبعد العودة إلى قريته عاش فيها المدة نفسها، أي ١٨ عاما. وفي سنواته الأخيرة، أطلق على نفسه اسم «يولسو»، وهو اسم آخر لنهر هان. ومع أنه وُلد في جوار النهر وحلم بحياة بسيطة في الريف فإن ظروفه لم تسمح له بذلك. ففي عام ١٨١٩، بعد عام من عودته من المنفى، زار «جونغ» الحقول في «مونآم»، وهي في قرية «سوجونغ» ببلدة «يانغبيونغ» حاليا. وفي كل خريف، كان يقضي هناك عدة أيام يهتم بالمحاصيل مع أخيه «ياك-جون»، كما أنه كان يزور مع أخيه قبر أبيهما في «تشونغجو». يقول «جونغ»: «أحلم بأن أعيش هنا راعيا للحقول منذ ٤٠ عاما.» لكن، تُوفي «ياك-جون» قبل ثلاث سنوات ولم يعد من المنفى بجزيرة «هوكسان».
قضى «جونغ ياك-يونغ» السنوات الأخيرة من حياته في تحرير وتعديل الكتب التي كتبها في المنفى. ولم تتلاش قدراته الاستثنائية وشخصيته الغريبة حتى في ذلك الوقت. وألف «جونغ» ١٦ قصيدة حول طرق التغلب على الحرارة، ومن عناوينها؛ «لعب الغو على حصيرة الخيزران» و»الاستماع إلى صوت الزيز في الغابة الشرقية»، و»وضع القدمين في الماء تحت ضوء القمر» و»تقليم الأشجار أمام المنزل حتى تمر الرياح»، و»ترتيب الخندق لتدفق الماء»، و»رفع كروم العنب إلى حواف السقف»، و»تجفيف الكتب تحت الشمس مع الأطفال» و»طبخ شوربة السمك الحارة بالمقلاة العميقة». هل شعر «جونغ ياك-يونغ» بالحرارة أكثر من غيره؟ أو أشد منه؟
يقع موقع «داسان» الأثري في قريته بـ»ناميانغجو»، وهو مجمع كبير يتكون من قبره والمكان الذي ولد فيه، حيث تم ترميمه وقاعة «داسان» التذكارية ومركز «داسان» الثقافي. ومئات الكتب التي ألفها في المنفى معروضة في مركز «داسان» الثقافي. كما أن أول رافعة في كوريا تُسمى بـ»كوجونغكي» واُستخدمت لبناء قلعة «هواسونغ» في «سوؤون» وغيرها العديد من المواد المتعلقة بحياة «جونغ ياك-يونغ» معروضة في قاعة «داسان» التذكارية.