메인메뉴 바로가기본문으로 바로가기

On the Road > 상세화면

2019 SPRING

على الطريقعلى خُطا الملك جونغ جو نحو قلعته العبقرية

تُعد قلعة هواسونغذروة ما وصلت إليه العمارة في مملكة جوسون التي تحيط وسط مدينة سوون القديم، فقد صُممت بكل عناية ودقة لتحقيق المثل العليا التي تبناها الملك جونغ جو الحاكم الثاني والعشرون لمملكة جوسون، حيث أمر بتوثيق مراحل الإنشاء جميعها بكل تفاصيلها. وقد أُدرجت هذه القلعة ضمن قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي عام 1997.

في ربيع عام ١٧٩٥، أصبحت عاصمة مملكة جوسون هان يانغ « سيول» حاليا، تكتظ بالسياح من جميع أنحاء البلاد، وهذا أدى إلى زيادة الطلب بشكل هائل على أماكن الإقامة، وهذا ما لم تستطع الحكومة استيعابه أو السيطرة عليه بإجراءات مثل رفع حظر التجول الليلي وإنشاء الخيم المؤقتة. بينما كان أصحاب المتاجر مبتهجين لتدفق موجة غير متوقعة من الزبائن على متاجرهم.

ولقد كان تجمع الزوار والسياح في العاصمة لسبب واحد، وهو رؤية مسيرة الملك، حيث نُشرت الملصقات الإعلانية في جميع أنحاء البلاد للإعلان عن رحلة الملك المرتقبة التي سُمح خلالها للرعايا برؤية الملك من مسافة قريبة. وفي ذلك العصر، كان الرعايا ينظرون إلى ملكهم على أنه إله الشمس وأن رؤية الملك عندهم تتساوي مع رؤية الضوء السماوي. وكان يُطلق على أولئك القادمين من بعيد للنظر إلى الملك اسم «غوانغ غوانغ مين إين»، أي «الناس الذين جاءوا لرؤية الضوء». واليوم تطورت كلمة «غوانغ وانغ» لتدل على «السياحة».

بِرّ الملك بوالديه
في حوالي الساعة السابعة صباحا يوم ٩ من فبراير عام ١٧٩٥، استقبل الملك جونغ جو والدته التي تُعرف بلقب «السيدة هيغيونغ» عند البوابة الرئيسة لقصر تشانغ دوك ثم ركب حصانه وغادر معها باتجاه قلعة هواسونغ التي كان من المقرر أن يُقيم فيها أربعة أيام. وكان لهذه الرحلة هدفان، وهما الاحتفال بعيد ميلاد والدة الملك الستين وزيارة قبر والده الذي تُوفي قبل أن يُتوّج ملكا، ويُعرف بلقب «ولي العهد سادو».

لم يدخر الملك جهدا في التحضير لهذه الرحلة. وامتدت مسيرة الملك لمسافة كيلو متر واحد، وهي تعادل خمسة في المائة من إجمالي مسافة الرحلة التي تبلغ ٢٠ كيلومترا. واستغرقت الرحلة يومين حتى الوصول إلى مدينة سوون التي تقع فيها قلعة هواسونغ. ولم ير الشعب الكوري مثل هذا المنظر من قبل. وما زالت قصص هذه المسيرة وحكاياها تدور على ألسنة الكوريين لكونها رمزا لبر الملك بوالديه في عصر مملكة جوسون.

أصبح الملك جونغ جو وليا للعهد في سن الحادية عشرة، حيث تُوفي والده الذي يُدعى «ولي العهد سادو» بعد قضائه ثمانية أيام محبوسا في صندوق من الخشب لتخزين الأرز، لأن والد ولي العهد سادو، أي الملك يونغ جو، أمر بسجنه في صندوق الأرز موجها له تهمة الخيانة والتآمر والتخطيط للقيام بانقلاب. وتشير السجلات التاريخية إلى أن ولي العهد سادو كان يعاني من مرض عقلي ويخشى من الحياة الملكية في القصر. كما كانت هناك شائعات تقول إن ولي العهد سادو كان ضحية للصراع السياسي بين الأحزاب وأفراد العائلة الملكية.

بعد وفاة والده، قضى جونغ جو الصغير السنوات الأربع عشرة التالية في خوف من أن يحاول مسؤولو الحكومة اغتياله. وكان يقول «أنا خائف جدا حتى لكأني أجلس على نار، وأنا في خطر مثل البيض المكدس بعضه فوق بعض». كما أنه أوضح «أخطو خطوات قوية واثقة لكيلا تظهر مني أي إشارات على الخوف أو الحذر». وفي عام ١٧٧٦، تُوّج جونغ جو ملكا على عرش مملكة جوسون بعد وفاة جده الملك يونغ جو، ثم أعلن على الملأ أنه ابن ولي العهد سادو.يقع قبر ولي العهد سادو على جبل هوا الذي يبعد ١٠ كيلومترات جنوب جبل بالدال الذي كان أعلى نقطة من قلعة هواسونغ. ويتناسب مظهر القبر مع ما يدل عليه اسم جبل هوا الذي يعني «جبل الزهور»، حيث زُين القبر بـ١٢ صخرة منحوتة على أشكال براعم زهور لوتس وأسوار الحراسة المزخرفة الجميلة. وكان موقع القبر مقرا للحكومة المحلية لمدينة سوون واُعتبر أرضا مواتية لبناء القبور الملكية لمئات السنين.

في عام ١٧٨٩، أمر الملك جونغ جو بنقل مكتب الحكومة المحلية إلى موقعها الحالي ونقل قبر والده من يانغ جو في شمال هان يانغ إلى جبل هوا. وبعد ذلك، عدل اسم القبر إلى «هيوليونغ وون» الذي يعني «قبر الازدهار» وأنشأ معبدا بوذيا بجواره متمنيا لوالده الراحة والسعادة في الآخرة. أما والدته «السيدة هيغيونغ» فإنها استطاعت زيارة قبر زوجها المتوفى بعد مرور ٣٣ عاما على وفاته.

لوحات مسيرة الملك جونغ جو اتجاه قبر والده في قلعة هواسونغ"التي رسمها كيم دوك-سين وآخرون، بالحبر واللون على الحرير ٥.١٥١ x ٤.٦٦ سم لكل لوحةتشير هذه اللوحات القابلة للطي إلى رحلة الملك جونغ جو إلى قلعة هواسونغ عام ٥٩٧١ لتقديم االحترام لقبر والده " ولي العهد سادو"وإقامة مأدبة عيد الميالد الستين لوالدته "السيدة هيغيونغ."تصو ّ ر هذه اللوحات الثماني مشاهد الرحلة التي استمرت مدة ٨ أيام. ومن المتوقع أن بعض الفنانين في المكتب الملكي للرسم شاركوا في رسم هذه اللوحات. شار إلى أنها ليست خير مثال على اللوحات الملكية التي تتسم بألوانها الراقية والجميلة و يُ فحسب، بل إنها كذلك خير مثال على اللوحات الوثائقية© متحف القصر الوطني الكوري

ذكريات مئتي سنة
في العصور القديمة، عادة ما كان يقوم الملوك في ممالك شمال شرق آسيا برحلات ملكية كبرى تُمثل حدثا احتفاليا وسياسيا. وفي سياق هذه الرحلات جاءت رحلة الملك جونغ جو إلى قلعة هوا سونغ التي اُعتبرت فريدة في بابها، وكانت أكبر رحلة منذ تأسيس مملكة جوسون عام ١٣٩٢ وتُعد ميزانيتها الأضخم من نوعها.

لهذه الرحلة التي دامت ٨ أيام، حشدت حكومة مملكة جوسون ٦ آلاف شخص و1400 حصان وخصصت لها مئة ألف نيانغ، وهو ما يعادل حوالي ٧ مليارات وون كوري اليوم أو حوالي ٦.٢ ملايين دولار أمريكي. ويُقال إن ١٢٠ حرفيّا شاركوا في صنع المحفة التي حملت السيدة هيغيونغ خلال الرحلة وكلف صنعها ٢٧٨٥ نيانغا، أي ما يعادل ٢٠٠ مليون وون كوري يمكن بها شراء اثنين من السيارات الفاخرة المصنوعة في كوريا اليوم.

واستطعنا أن نعرف الأرقام وغيرها من المعلومات التفصيلية عن الرحلة بفضل السجلات الدقيقة التي تركها الذين عاشوا في ذلك الوقت، ومنها «سجل مسيرة الملك جونغ جو نحو قبر ولي العهد سادو في سنة وولميو» الذي يتكون من ٨ مجلدات ويغطي جميع جوانب المسيرة، بما فيها المراحل التحضيرية. وصورت الرسوم التوضيحية المعروفة بـاسم «بانتشادو» وتتكون من ٦٣ صفحة جميع المشاركين ومواقعهم في المسيرة. ويُقال إن الرسام كيم هونغ-دو (١٧٤٥- حوالي ١٨٠٦ ) الذي كان رساما حكوميا مشهورا بأعماله الفنية ذات الموضوعات الخاصة جمع الفنانين الموهوبين وقادهم لصنع هذه الأعمال الفنية. وتكتسي هذه الرسوم التوضيحية أهمية وثائقية وفنية في آن واحد.

وثمة سجل آخر مهم هو « لوحات مسيرة الملك جونغ جو نحو قبر والده في قلعة هوا سونغ» التي تتكون من ٨ لوحات قابلة للطي، وتسلط الضوء على اللحظات البارزة من المسيرة. وهناك تقديرات بأن هذه اللوحات صُنعت بعد سنة من المسيرة لأنها صورت مظهر القلعة بعد اكتمال بنائها. وتقدم هذه اللوحات صورا حيوية رائعة لمظاهر الجنود الذين كانوا يحاولون السيطرة على الحشود والعلماء الشباب الذين خرجوا معا للاطلاع على المسيرة والرجال الذين كانوا يحاولون منع الآخرين من قتال بعضهم بعضا وبائعي الحلوى وكعك الأرز الذين كانوا يتجولون بين الحشود.

بعد ٢٠٠ عام من ذلك الوقت، نُشرت رواية بعنوان «إمبراطورية خالدة» ألفها لي إين-هوا عام ١٩٩٣، وأثارت هذه الرواية اهتمام الناس بعهد الملك جونغ جو، وحظيت هذه الرواية المبنية على الافتراض بأن الملك جونغ جو تُوفي مسموما بإقبال حار من القراء، وتحوّلت إلى فيلم يحمل العنوان نفسه. وعلى إثر إدراج قلعة هوا سونغ في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، نُشرت الكثير من الكتب التي جمعت سجلات عهد الملك جونغ جو. وأما الرسوم التوضيحية «بانتشادو» التي طُبعت في الأصل على قوالب خشبية بالأبيض والأسود، فإنه قد أُعيدت طباعتها من جديد بعد تلوينها كمنتجات ثقافية راقية المستوى، وأدى كل ذلك إلى استعادة ذكريات الملك العظيم في أذهان الكوريين، وأصبح الملك جونغ جو يُعد ملك الإصلاح الذي قاد نهضة مملكة جوسون.

في العصور القديمة، عادة ما كان يقوم الملوك في ممالك شمال شرق آسيا برحلات ملكية كبرى تمثّل حدثا احتفاليا وسياسيا. وفي سياق هذه الرحلات جاءت رحلة الملك جونغ جو إلى قلعة هوا سونغ التي اُعتبرت فريدة في بابها، وكانت أكبر رحلة منذ تأسيس مملكة جوسون عام ١٣٩٢ وتُعد ميزانيتها الأضخم من نوعها.

يقع قبر " يونغنونغ"في هواسونغ من محافظة غيونغي، وهو قبر مشترك لوالدي الملك جونغجو؛ ولي العهد سادو ( ٥٣٧١-٢٦٧١)والسيدة هيغيونغ ( ٥٣٧١-٦١٨١ ).

جسر الملك العائم
لم تكن هذه الرحلة الأولى التي يرتحل فيها الملك جونغ جو إلى قبر والده لتقديم الاحترام، فقد كان يزوره كل سنة منذ أن جرى نقل قبر والده، لذلك فالمسيرة في عام ١٧٩٥ كانت هي الرحلة السادسة للملك. ومن المتعارف عليه أن للعديد من الرحلات دوافع متنوعة، وبمناسبة كل رحلة، كانت الحكومة تحشد الكثير من الجنود وتستفيد من هذه المناسبة للتأكد من حالة تدريبهم وفحص النظام الدفاعي للعاصمة. كما أن رحلات الملك ساهمت في توسيع شبكة النقل في المملكة لأن تنقل هذا العدد من الجنود كان يتطلب بناء طرق وجسور جديدة. وبعبارة أخرى فإن هذه الرحلات كانت وسيلة للتأكد من سلطة الملك وقوته.

كان عبور نهر هان ضمن التحديات الأكثر تعقيدا في رحلات الملك، وكان على الملك أن يختار إما عبور النهر على متن القوارب، أو السير على جسر عائم من القوارب. وكان الملك يفضل الخيار الثاني الذي يتطلب حشد مئات القوارب لبناء الجسر، ويُشكل عبئا كبيرا على أصحاب القوارب بسبب طول مدة البناء.

لذلك، سعى الملك جونغ جو إلى بناء الجسر العائم الأكثر أمانا وجمالا في أسرع وقت ممكن، وبأقل تكلفة ممكنة، وأمر بوضع التصميم المنهجي للمشروع. وبناء على الخبرات التي اكتسبها خلال عملية نقل قبر والده، وجه الملك تعليمات محددة بشأن بناء الجسر العائم، وصُنفت هذه التعليمات في ١٥ فئة، ومنها ارتفاع القوارب وطريقة ربطها.

بعد فترة طويلة من الإعداد اكتمل الكتاب الموسوم بـ «التوجيهات الشاملة لبناء الجسر العائم» عام ١٧٩٣، وبفضل هذه التوجيهات الدقيقة والتفصيلية، بُني الجسر العائم العملي والجميل خلال ١١ يوما فقط، في فبراير عام ١٧٩٥. وفي موقع هذا الجسر العائم، بُني أول جسر حديث للمشاة سُمي بـاسم»جسر نهر هان» عام ١٩١٧. وخلال مئة عام منذ ذلك الحين حتى الآن، تم بناء ٣١ جسرا على نهر هان.

بعد عبور نهر هان سيرا على الجسر العائم بأناقة، اختار الملك مسارا جديدا يمر بـ»نوريانغ» ويتجه لـ»سيهونغ» بدلا من المسار القديم الذي يعبر قمة جبل «نامتاي ريونغ» على الرغم من أن مسافة المسار الجديد مساوية تقريبا لمسافة المسار القديم، وذلك أن مسيرة الملك كانت تتطلب طرقا واسعة لأنها تتحرك في ٥ صفوف، وتصل إلى١١ صفا في بعض الأحيان، إضافة إلى أن بناء طرق جديدة على الأرض المسطحة أسهل من توسيع طرق جبلية. وتطلب الأمر بناء العديد من الجسور بسبب جداول المياه الكبيرة والصغيرة التي تعترض مسار سيهونغ.

أسفر قرار الملك عن تغيير مصير المسارين، ومنذ ذلك الحين، شهد مسار سيهونغ توسعا مستمرا حتى أصبح ضمن الطرق العشرة الرئيسة في مملكة جوسون، وأصبح حاليا جزءا رئيسا من الطريق الوطني رقم ١ الذي يربط وسط سيول بالمناطق الجنوبية من البلاد، في الوقت الذي شهد فيه مسار نامتاي ريونغ تراجعا ملحوظا، ولم يبق فيه سوى عدد قليل من الحانات الصغيرة التي تُذكّر بأيامه الماضية الجميلة.

ُ زين القبر المشترك لولي العهد سادو والسيدة هيغونغ بكل عناية بصخور منحوتة بأشكال براعم الزهور وجدران صخرية منحوتة بأشكال بتالت لوتوس وفاوانيا.ويعكس ذلك آمال الملك جونغجو بأن يكون قبر والده الذي تُوفي مبكرا في ظروف مأساوية يشبه قبور الملوك قدر اإلمكان

هدف بناء القلعة
في سيهونغ، توقفت مسيرة الملك التي انطلقت من البوابة الرئيسة للقصر الملكي لقضاء الليل، وفي مساء اليوم التالي وصلت إلى مكتب الحكومة المحلية لمدينة سوون عبر المرور بالبوابة الشمالية لقلعة هواسونغ، في ذلك الوقت، كان مشروع بناء القلعة الذي بدأ قبل عام ما يزال جاريا.

لقد غيّر الملك جونغ جو اسم المنطقة من سوون إلى هواسونغ الذي يعني «قلعة الازدهار»، ورفع رتبتها الإدارية إلى مستوى أعلى، كما أنشأ فيها معسكرا خارجيا للحرس الملكي الخاص به أُطلق عليه اسم «جانغيونغ يونغ»، ويبلغ تعداده خمسة آلاف جندي، وجاء قراره هذا بهدف تقوية النظام الدفاعي للمناطق المجاورة للعاصمة. وكانت مدينة سوون وما تزال تُعتبر نقطة مهمة في الطريق الذي يربط بين سيول والمناطق الجنوبية من البلاد.

وكانت قلعة هواسونغ حصنا منيعا وبُنيت بأحدث التقنيات، وشملت خطة المشروع بناء مدينة متعددة الأغراض وضعها العالم جونغ ياك-يونغ (١٧٦٢-١٨٣٦) الذي صمم الجسر العائم للملك أيضا، والذي كان متحمسا لفكرة «سيلهاك» التي يعني العلم العملي. وتشير هذه الخطة إلى أن الملك لم يهدف إلى إقامة الحصن العسكري فحسب، بل كانت لديه أيضا أهداف أخرى.

صمم جونغ مجاري المياه التي تعبر المدينة وشبكة الطرق المتقاطعة على شكل صليب لتسهيل تبادل الأشخاص والبضائع. وخلال أربعة أيام، زار الملك قبر والده للتعبير عن الاحترام وأقام الامتحان الخاص لاختيار موظفي الحكومة من سكان المنطقة، واطلع على تدريب الجنود ليلا ونهارا، وأقام مأدبة لمناسبة العيد الستين لميلاد والدته، بالإضافة إلى الحفلة الخاصة للمسنين في المنطقة. واختبر الملك كل شيء صممه وحاول تنفيذه في هذه المدينة المحصنة التي أقامها حسب إرادته بعد قضاء وقت طويل من المعاناة والضغط، حيث مضى عام على بدء الإعداد للمسيرة الملكية ومضت ست سنوات على نقل قبر والده و20 سنة على توليه العرش.

اكتمل بناء قلعة هواسونغ عام ١٧٩٦ وهو العام التالي لمسيرة الملك جونغ جو الكبرى إلى قبر والده. وأحاطت بالقلعة الأسوار التي بلغ طولها ٥.٧ كيلومترات وارتفاعها يتراوح ما بين ٤.٩ و٦.٢ أمتار، وهذا المشروع الذي اشتمل على بناء حوالي ٤٠ مرفقا دفاعيا، منها أربع بوابات رئيسة جميلة في الجهات الأربع؛ الشمال والجنوب والشرق والغرب، واستغرق العمل فيه سنتين وستة أشهر. وبُنيت الهياكل المعمارية التي لا يمكن إيجادها إلا في هذه القلعة، منها مركز القيادة الغربي الذي بُني على أعلى نقطة في قمة جبل بالدال وجناح «سوريو بانغهوا» الذي يعني اسمه جناحا للبحث عن الأزهار واللعب مع شجر الصفصاف وبوابة «هواهونغ»، وهي بوابة صغيرة تقع على مسيلات المياه المقوسة، وأبراج المراقبة الثلاثة المسماة «غونغسيم دون»، وهي تمثل نمطا جديدا لأبراج المراقبة، وهي مُجوّفة من الداخل صُنعت من الطوب والحجارة.

قلعة هواسونغ هذه التحفة المعمارية أصابها الدمار خلال فترة الاحتلال الياباني واُستخدمت مبانيها المتبقية مستشفى ومدرسة ومركزا للشرطة، حتى تم ترميمها وإعادتها إلى حالتها الأصلية عام ٢٠٠٣، وقد أمكن ترميمها بدقة بفضل مخططات البناء التي أمر الملك بتدوين كل مراحلها في كتاب بعنوان «سجل إنشاء قلعة هواسونغ».

أفكار الملك الحديثة
لقد تتبعت خطوات الملك جونغ جو طارحا بعض الأسئلة من مثل؛ لماذا بنى قلعة هواسونغ؟ وأي بلد كان يريد بناءه كحاكم لمملكة جوسون؟ وتوصلت إلى أنه كان بارّا وحكم مملكته بحكمة بناء على الفلسفة والقيم الكونفوشيوسية الجديدة. وجذبتني قصة الملك الذي عزز السلطة الملكية وتلقى ثناء رعاياه. ويمكن إيجاد المزيد من التفاصيل عن قصة الملك في كتاب «مجموعة أعمال الملك جونغ جو» وغيره من السجلات الأخرى التي تركها الملك.

في عهد هذا الملك، دخلت الكاثوليكية والفلسفة الكونفوشيوسية الجديدة القائمة على أفكار الفيلسوف الصيني «وانغ يانغ مينغ» كوريا، فضلا عن العلوم والتكنولوجيا الغربية باسم «العلم العملي». وكانت الكونفوشيوسية الجديدة المبنية على أفكار الفيلسوف الصيني «تشو شي» لم تُعد من المذاهب التقدمية، من حيث قيمها وأفكارها. وحاول الملك جونغ جو الذي عاش توتر هذا العصر وغموضه التأقلم مع المتغيرات العصرية سعيا لتحقيق مثله العليا «الحب تجاه الرعايا».

وكان الملك كلما ارتحل من القصر التقى برعاياه مباشرة للاستماع إلى شكاواهم، لأن الكثير منهم كانوا أميين، ولا يقدرون على تقديم الشكاوى الرسمية المكتوبة، وكان يتعامل خلال كل رحلة مع حوالي ٨٥ شكوى. وأما العمال الذين شاركوا في بناء القلعة فإن الملك كان يمنحهم الملابس الدافئة في الشتاء والأعشاب الطبية في الصيف لمساعدتهم في التغلب على الحرارة. وتحتوي سجلات البناء التي تركها الملك على معلومات تفصيلية عن كل عامل، منها اسم العامل وعنوانه وأيام العمل ومجموع الأجور المدفوعة، وعندما كان لا بد من هدم منزل من المنازل لشق طريق أو بناء قصر، قدم الملك لصاحب المنزل تعويضات كافية، وفي سنوات القحط كان الملك يأمر بتعليق البناء.

هكذا، أظهر الملك حبه تجاه رعاياه وحاول السيطرة عليهم بإحسانه إليهم ورحمته إياهم والقيم المطلقة للكونفوشيوسية الجديدة، لكنه لم يستطع أن يدرك روح العصر الحديث التي تقوم على «اكتشاف الفرد» والصراعات الناتجة عن الفروق بين الطبقات الاجتماعية. وأكد الملك مرات عدة أنه بنى قلعة هواسونغ لحماية المقبرة الملكية والقصر الملكي للإقامة المؤقتة، كما أنه أنشأ جسر مانآن على طريق سيهونغ للذهاب إلى قبر والده وليس لتلبية احتياجات عامة الناس.

لم يصل الملك إلى المستوى الذي وصله شين غيونغ-جون (١٧١٢-١٧٨١)، وهو عالم مشهور نشط في عهد الملك يونغ جو، حيث كتب شين في مقدمة كتابه «مسح الممرات والطرق» الآتي؛ «ليس للطرق أصحاب إلا أولئك الذين يستخدمونها.» ولهذا السبب يشعر المؤرخون بالحرج عندما يربطون بين الملك جونغ جو وروح العصر الحديث التقدمية استجابة للمشاعر العامة.

في عام ١٨٠٠، بعد أربع سنوات من اكتمال بناء القلعة، تُوفي الملك فجأة وتراجعت المملكة إلى ما كانت عليه قبل حكمه. وتم حل الحرس الملكي الخاص وتحولت هواسونغ إلى مدينة عادية صغيرة، وفضل الناس اسمها القديم سوون على هواسونغ. لكن، بعد مرور مائة عام، أصبحت مدينة سوون محطة رئيسة لخط السكة الحديد الذي يربط بين سيول وبوسان، مما أسفر عن تشكيل وسط المدينة الجديد بجانب الطريق الذي يربط بين محطة سوون في الضواحي الجنوبية للمدينة وبوابة بالدال، وهي البوابة الجنوبية لقلعة هواسونغ، كما أن الحكومة المحلية لمحافظة غيونغي تتخذ من سوون مقرا لها، وهذا أدى إلى استقطاب اهتمام الناس بها من جديد.

لكن، هذه المزايا الجغرافية لمدينة سوون كانت سببا في تحولها إلى ساحة للمعارك الدموية خلال الحرب الكورية التي استمرت خلال الفترة ما بين عامي ١٩٥٠-١٩٥٣، فدمرت الحرب أجزاء كبيرة من المدينة وقلعتها، لكن، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، أصبحت المدينة مركزا لصناعة المنسوجات التي تُعد من محركات النمو التي ساهمت في تحقيق التصنيع السريع في كوريا. واليوم، تتخذ شركة سامسونغ للإلكترونيات الشركة الرائدة في سوق أشباه الموصلات من هذه المدينة مقرا لها.

وعندما زار فريق اليونسكو للبحث الميداني مدينة سوون في أبريل عام ١٩٩٧، حمل نيمال دي سيلفا قائد فريق التحقيق نسخة مصورة من «سجل إنشاء قلعة هواسونغ» بيده. ولم يعجبه التنوع المعماري للمرافق الدفاعية في القلعة فحسب، بل أعجبه أيضا السجل الذي يحتوي على المعلومات التفصيلية الشاملة.

وعلى الرغم من أن قلعة هواسونغ دُمرت ورُممت عدة مرات خلال القرنين الماضيين، فقد أُدرجت ضمن قائمة التراث العالمي بفضل وجود هذا السجل التاريخي، والشعب الكوري ينظر بحب للملك جونغ جو بسبب السجلات التي تركها، فهي تشير إلى أفكاره حول النظام الملكي والنظام الجمهوري والانتقال من العصر القديم إلى العصر الحديث ومفهوم الفرد والدولة.

عتبر أجمل هيكل معماري في قلعة هواسونغ محاط بالمناظر الرائعة التي تنتجها فصول جناح " بانغهوا سوريو"الذي يُ عد عمال السنة األربعة.كما يدل اسمه الذي يعني " جناح للبحث عن األزهار واللعب مع شجر الصفصاف"، فإن الجناح يُ معماريا رائعا تم بناؤه من الخشب والحجر الستخدامه مركز مراقبة عسكريا ومكانا لالستمتاع بالمناظر الطبيعية. © وبيك

 
لي تشانغ-غي شاعر وناقد أدبي
آن هونغ-بوم مصور فوتوغرافي

전체메뉴

전체메뉴 닫기