تجتذب منطقة هاي نام المعروفة باسم "نهاية الأرض" الكثير من الزوار بفضل مناظرها الخلابة التي تشكّلها الجبال والمعابد البوذية التي يعود تاريخها إلى العصور القديمة. تقع هذه المنطقة في أقصى جنوب غرب شبه الجزيرة الكورية وكانت تُعد حلقة وصل بين الحضارات القديمة في منطقة شمال شرق آسيا وقدمت ملجأ للمنفيين السياسيين في قديم الزمان.
مئات اآلالف من الطيور المهاجرة تزور بحيرة غوهُبديتشون آم في منطقة هاي نام في فصل الشتاء. ويالكثير من العلماء اهتماما خاصا بهذه المنطقة بسببتجمع بط بايكال وغيره من أنواع الطيور المهاجرةالنادرة فيها.
١ .صورة ذاتية للنفس لـ"يون دو-سوه"، ١٧١٠م، الحبر واللون الفاتح على الورق،قياس 5.38 x 5.20 سمُعد هذه اللوحة من أعظم الصور الذاتية للنفس في تاريخ الفن الكوري. كان "يون دو-تسوه" رساما وموظفا حكوميا في عصر مملكة جوسون، وهو ابن حفيد الشاعر "يونّ المفكر العظيم "جونغ ياك-يونغ".سون-دوه" ووالد جد
لكل شخص مكان لا يمكن التنزه فيه دون الغرق في الأفكار. وبالنسبة لي هذا المكان هو منطقة هاي نام.
أقمتُ في منطقة هاي نام خلال الفترة ما بين الربيع من عام ١٩٨٠ والخريف من عام ١٩٨٢ حيث كنت في أوائل العشرينيات من عمري. في ذلك الوقت، كنت أشعر بالإرهاق الشديد حتى أني لم أستطع أن أشعر بالغضب أو الشغف أو غيرهما من المشاعر التي تجعل الإنسان يعيش الحياة. فقدت كل شيء في الحياة وقررت الالتحاق بالجيش للهروب من هذا البؤس. وبعد إكمال التدريب العسكري الأساسي، جاء بي الحظ لتكون خدمتي العسكرية في معسكر في منطقة هاي نام التي تقع في أقصى جنوب غرب شبه الجزيرة الكورية. وهناك، انضممت إلى الجنود الذين يتولون مراقبة الخط الساحلي لتلك المنطقة.
الأسوار الحجرية المغطاة بالنباتات الطُّحْلبية الخضراء والسياج من شجر البرتقال البري، رائحة الرطوبة المالحة التي تنبثق من البحر الذي يحيط به الضباب الغامض، جداول صغيرة ودروب ترابية تجري على امتداد سلسلة من الحقول التي لا نهاية لها، بعض الماعز الأسود الذي يتجول في التلال بِحُرّية، صاحبة المتجر الواقع أمام المعسكر التي تقدم بها العمر دون أن تتعلم قراءة اسم زوجها المكتوب على الرسائل البريدية... كلها كانت الانطباعات الأولى التي منحتني إياها منطقة هاي نام.
بعد مرور حوالي أربعين عاما من ذلك الوقت، عبرتُ تل "أو سول تشي" للذهاب إلى وسط منطقة هاي نام. كنا، أنا ورفاق السفر، نبحث عن مكان ننزل فيه إلا أننا لم نجد أي شيء إلا الشعور بالغرابة.
إذا أردتَ التمتع بآثار الحضارات القديمة التي ازدهرت في الماضي أو متابعة الذكريات التاريخية، فمنطقة هاي نام لا تُعدّ وجهة سفر مناسبة. فهذه المنطقة لم تشهد ازدهارا في الماضي، لذلك، فليس ثمة شيء يستحق أن تتحدث عنه فيها. في الحقيقة، لا نستطيع أن نجد في هذه المنطقة إلا المنافي القديمة، حيث كان المنفيون السياسيون يقيمون. إذ اتخذتها الممالك القديمة منفى للمعارضين السياسيين نظرا لبعدها عن العاصمة.
مع ذلك، أصبحت منطقة هاي نام وجهة سفر مشهورة بفضل كتاب «استكشاف التراث الثقافي» الذي ألفه مؤرخ الفن "يو هونغ-جون". ويعرّف المؤلف في مقدمة الكتاب منطقة هاي نام بوصفها "المحطة الأولى لاستكشاف التراث الثقافي في المنطقة الجنوبية"، ويرشد القراء إلى زيارة "نوك أو دانغ"، مقر رئيس عائلة يون من منطقة هاي نام، ومعبد داي هونغ البوذي الذي يقع في نهاية المسار الجبلي المحاط بالأودية والغابات الكثيفة في جبل دو ريون، ومعبد مي هوانغ البوذي الذي يقع في قمة جبل دالما، فضلا عن قمة "ساجا بونغ" التي يعني اسمها "قمة الأسد"، حيث يجدون المناظر الخاصة لمنطقة هاي نام التي قد تكون هادئة وغامضة أو مألوفة ورشيقة أو بسيطة وأنيقة. ومع ذلك، أعتقد أن معظمهم لا يعرفون أن هذه المناظر الجذابة التي تتناغم فيها أشعة الشمس الناعمة مع الرياح الهادئة التي تأتي بعد العواصف الرعدية العنيفة المصحوبة بأمطار كثيفة، تجعل فرائص الناس ترتعد من الخوف.
٢ ّ .المبنى الرئيس لـ"نوك أو دانغ"، مقر عائلة "يون" من منطقة هاي نام. فكك الشاعر"يون سون-دوه" البيت في مدينة سوون الذي منحه الملك هيو جونغ )فترة الحكم منُقال إن اللوحة التي١٦٤٩-١٦٥٩م( تقديرا لمعلمه وأعاد تركيبه في الموقع الحالي. ويُك ّ تب عليها اسم البيت من عمل الخطاط المشهور "إي سوه" )١٦٦٢-١٧٢٣م(، وهوّب من "يون دو-سوه".صديق مقر
يعني اسم منطقة هاي نام حرفيا "جنوب البحر"، وهو يرمز إلى بوابة الانطلاق نحو عالم جديد يقع بين نهاية الأرض وبداية البحر. وتَمُدّ هذه الأرض البحارة والمنفيين بِالطّاقة التي تجعلهم يتغلبون على المحن التي تواجههم وتجعلهم يعودون إلى ما كانوا عليه.
سرادق سي يون في حديقة قرية بو يونغ في جزيرة بوغيل.١٦٤٩م(عندما استسلم الملك إنجو )فترة الحكم من ١٦٢٣-لقوات مملكة تشينغ الصينية عام ١٦٣٧ ،استقال "يون سون-دوه" من منصبه كموظف حكومي وبنى هذه الحديقة في مسقطرأسه. ترك "يون" العديد من القصائد أثناء إقامته في الجزيرة،ومنها قصيدته المشهورة »أربعة فصول لصياد األسماك«.
ني عام ٧٤٩ يقع في أقصى جنوب شبه الجزيرة ١ .معبد مي هوانغ البوذي الذي بالكورية. ومن المفترض أنه كان معروفا لدى الصينيين أيضا وفقا للسجالت التاريخيةفي القرن الثالث عشر التي تشير إلى أن العلماء والمسؤولين الصينيين قد زاروا هذاالمعبد. في اليسار من الصورة، يوجد المبنى الرئيس للمعبد وتقع خلفه القمم الجميلةلجبل دالما.
٢ .بيت دوه سول للتأمل يقع في منحدر حاد من جبل دالما. كان متروكا لوقت طويل1 حتى تمت إعادة بنائه عام ٢٠٠٢ .
"نوك أو دانغ" وقرية "بو يونغ"
عندما زرنا المقر الرئيس لعائلة يون المسمى بـ"نوك أو دانغ" الذي يعني "بيت المطر الأخضر"، كانت السماء تمطر أمطارا غزيرة وتَبَلَّلنا بماء المطر رغم محاولاتنا الاحتماء بالمظلات التي اشتريناها من أحد المتاجر الصغيرة. استمعنا ونحن تحت الأمطار الغزيرة إلى شرح من السيد "يون يونغ-جين"، وقال لنا إنه يتذكر الغبار الذي كان يملأ الهواء في الشوارع الرئيسة والإعلانات التي كانت تعلق على جدران المباني لتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن الجواسيس الكوريين الشماليين، عندما كان في طفولته يعيش في منطقة هاي نام. وأضاف من الطبيعي أن التحق بالجيش لأن منطقة هاي نام كانت معرضة لخطر تسلل الجواسيس بسبب طبيعتها السهلة الاختراق. وبعد أن تقاعد السيد "يون" من الجيش الكوري برتبة عقيد وعاد إلى مسقط رأسه، وبدأ يقرأ "مذكرات جي آم". وأعاد قراءة الكتاب عدة مرات حتى كاد يحفظه عن ظهر قلب.
و"يون إي-هو"(١٦٣٦-١٦٩٩م)، هو حفيد "يون سون-دو" (١٥٨٧-١٦٧١م) الذي كان شاعرا وموظفا حكوميا في عصر مملكة جوسون، ترك هذه المذكرات. ومؤلف المذكرات هو والد الرسام "يون دو-سو" (١٦٦٨-١٧١٥م) الذي رسم أشهر صورة ذاتية للنفس في عصر مملكة جوسون. كما أن "يون دو-سو" جدّ "جونغ ياك-يونغ" المشهور (١٧٦٢- ١٨٣٦م) كان مفكرا وموظفا حكوميا في أواخر عصر مملكة جوسون. وُلد "يون دو-سو" في هذا البيت الذي كنا نزوره.
وقال العقيد "يون" إن أعمدة البيت في "نوك أو دانغ" مستديرة مثل أعمدة القصر الملكي، لأن الملك هيو جونغ (حكم من ١٦٤٩-١٦٥٩م) منح أستاذه "يون سون-دو" هذا البيت تقديرا لجهوده في تدريسه عندما كان وليا للعهد. لكنه نُفي مدة سبع سنوات عقب وفاة الملك الذي كان يوفر له الحماية. وعندما عاد "يون" من المنفى، فكّك المبنى الرئيس للبيت الذي منحه له الملك في مدينة سوون وأعاد تركيبه في موقع "نوك أو دانغ" الحالي وهو في الحادية والثمانين من العمر. كان من الممكن أن نزور المتحف الصغير بجانب "نوك أو دانغ" الذي يعرض الصورة الذاتية للنفس للفنان "يون دو-سو" و"الخريطة الشاملة لمملكة جوسون"، إلا أننا غادرنا إلى مكان آخر دون زيارته بسبب الأمطار الغزيرة وسمعنا أنه يعرض صورا مستنسخة بدلا من الآثار الحقيقية لمنع السرقة.
يمكن أن نجد المزيد من الآثار التي تركها الشاعر "يون سون-دو" في قرية "بو يونغ" في جزيرة بوغيل. في الماضي، كانت السفن تتنقل من الجزيرة إلى ميناء بيكبو الواقع في منطقة هاي نام. واليوم، تنطلق سفينة كل نصف ساعة من ميناء جزيرة وان وميناء غالدوري في منطقة هاي نام. هناك بيت خاص لعائلة "يون" في جزيرة بيكبو. ويُقال إن أفراد عائلة "يون" منذ أيام جدّ "يون سون-دو" نفذوا مشروع استصلاح الأراضي البحرية في هذه المنطقة لاستخدامها كمزرعة. وأصبح حجم المشروع ضخما في عصر "يون دو-سو"، أي بعد خمسة أجيال، فبنت عائلة "يون" بيتا في هذه المنطقة للإشراف على المشروع عن كثب. ورسم "يون دو-سو" هذا البيت في لوحة «بيت خاص في ميناء بيكبو» التي تُصنف ضمن لوحات المناظر الطبيعية الكورية التقليدية.
وإذا زار السياح الأجانب حديقة قرية "بو يونغ" فسيندهشون من تصميمها الرائع الذي يظهر الأناقة التي كان يتحلى بها أحد النبلاء في عصر مملكة جوسون، والذي سعى إلى تحقيق الانسجام مع الطبيعة المحيطة بها، إلا أن الكوريين قد يشعرون بمشاعر معقدة عندما يزورون هذه الحديقة.
تتناقض تصرفات "يون سون-دو" الذي بنى هذه الحديقة وتمتع بها مع المبادئ والقيم الأساسية التي التزم بها علماء الكونفوشيوسية الذين سعوا إلى التخلي عن الرغبة في المال والأشياء الدنيوية ومشاركة السعادة مع عامة الرعايا. في الحقيقة، عندما بنى "يون" هذه الحديقة، كان عامة الرعايا يعانون من الفقر والجوع بسبب الخراب والدمار الذي لحق بالأراضي الزراعية خلال الحربين الكبيرتين. لذلك، من الصعب أن ننظر بإيجابية إلى جهود "يون" الذي سعى إلى الانسجام مع الطبيعة المحيطة به.
وتُعد قصيدته المشهورة «أربعة فصول لصياد السمك» التي كتبها عندما أقام في جزيرة بوغيل، من الأعمال الأدبية الكورية المهمة نظرا لأسلوبها الأنيق المفعم بالحيوية، إلا أنه استخدم صياد السمك الذي يظهر في هذه القصيدة ويقوم بدور الراوي فيها كجزء من المناظر كما أوضح في المقدمة، المناظر لـ"متعة تجعلنا نغني معا بصوت واحد ونحن نحرك مجاديف القارب معا". لكننا لا نستطيع أن نتجاهل الانتماء والولاء للوطن الذي حافظ عليه الشاعر رغم أنه نُفي ثلاث مرات نتيجة للصراع السياسي. ولهذا السبب، لا أستطيع أن أتنزه في حديقة بو يونغ بعيدا عن الأفكار التي تزعجني.
ُعد من تطفو السفن الستزراع أذن البحر على سطح البحر أمام قرية "إي سونغ" التي تأجمل األماكن في جزيرة بوغيل. ويزور الكثير من السياح شاطئ مونغ دول والغاباتدائمة الخضرة في هذه المنطقة.
معبد داي هونغ ومعبد مي هوانغ
قابلنا السيد "جون غوك-سونغ" الذي تقاعد من عمله كمدير للمركز الصحي المحلي بفضل مساعدة مؤسسة هاي نام للثقافة واطلعنا على أحدث التطورات في منطقة هاي نام. على وجه الخصوص، جعلني أتذكر لطف سكان منطقة هاي نام واجتهادهم اللذين قد نسيتهما منذ زمن بعيد. قال لنا السيد "جون" الذي يبلغ عمره ٧٠ عاما إنه أصبح أستاذا زائرا في الجامعة ويدرّس الرعاية الاجتماعية الآن، وأبدى اعتزازه بنفسه موضحا أن الصعوبات التي واجهها في طفولته وسط انهيار عائلته منحته قوة جعلته يصل إلى ما وصل إليه اليوم.
أدهشنا أن نسمع منه أن قرية هوا وون التي تُعد ضمن أقل القرى تطورا في منطقة هاي نام أصبحت أكبر منطقة لزراعة الملفوف الصيني الشتوي في كوريا، فهي توفر كمية هائلة من الملفوف الصيني المملح الذي يُستخدم لصنع المخلل الكوري التقليدي الحار "كيمتشي"، كما أن أسعار الأراضي فيها شهدت ارتفاعا كبيرا عقب إنشاء الطريق الذي يربط بينها وبين مدينة موكبو. لكننا شعرنا بأسف شديد عندما سمعنا أن ازدياد مساحة الأراضي الزراعية في هذه القرية نتيجة لمشروع استصلاح الأراضي البحرية أدى إلى تلاشي بعض أنواع الكائنات البحرية، مثل الأخطبوط ذي الأرجل الرقيقة وسمك نطاط الطين، التي كان من الممكن صيدها من الطين بسهولة في الماضي. أثناء الاستماع إلى كلامه، كنت أتذكر الأيام الماضية حيث كنت أَذْرع المسافة بين نقاط المراقبة على الأقدام وأنا أُسَرّح عيني في المناظر التي تمتد عبر البحر.
يُقال إن مشروع التطوير أحدث تغيرا في طبيعة المنطقة وسلوك سكانها. وقال لنا السيد جون إن شارع المطاعم الجديد ظهر قريبا من معبد داي هونغ البوذي، بينما فندق يوسون الذي بُني قبل حوالي مائتي عام أغلق أبوابه. أقمتُ في هذا الفندق مع أمي وأختي اللتين قطعتا أكثر من ٤٠٠ كيلومتر لزيارتي وتجولنا معا في معبد داي هونغ. كنت أحاول النوم مستلقيا على الأرضية الدافئة لغرفة الفندق بجانبهما إلا أنني لم أستطع أن أنام بسبب أخبار العائلة المزعجة التي أخبرتاني بها.
شهد معبد مي هوانغ البوذي تغيرا سلبيا. كانت في المعبد ثلاثة أو أربعة مبانٍ متواضعة إلا أن حجمه أصبح كبيرا اليوم حيث بُني فيه سور طويل وتماثيل الملوك السماويين الأربعة وتم توسيع حجمه لاستيعاب النزلاء الذين يريدون تجربة حياة الرهبان البوذيين. كما أن الطريق الجبلي القديم الضيق الذي كان لا يَطْرُقه إلا قاطعو الأخشاب والرهبان النسّاك أصبح مشهورا بعد صيانته وصار يُطلق عليه اسم "طريق دالما القديم". ارتحتُ أن وجدت أن المبنى الرئيس للمعبد لم يتغير حيث تحافظ حواف سقفه على جمال البساطة الذي تخلقه حواف السقف غير المزينة بألوان زاهية.
رأيتُ معبد مي هوانغ لأول مرة عندما كنت أؤدي الخدمة العسكرية. وزرت جبل دالما المجاور للمعبد للقيام بمهمة جمع الأغصان المجففة التي تُستخدم لصنع المكانس التي كان يستخدمها الجنود لإزالة أوراق الأشجار المتساقطة وكسح الثلوج من المعسكر. وكانت المكانس المصنوعة من الأغصان المجففة جيدة في كسح الثلوج التي تتساقط خلال الليل، على الرغم من أن منطقة هاي نام لا تشهد العواصف الثلجية العنيفة في الشتاء بشكل عام.
أتذكر مظهر الراهبيْن اللذين كانا يجلسان على طرف الشرفة أمام مسكن المعبد وهما يُطلّان على مناظر المنحدرات الصخرية الخلابة ومجموعة من الجزر الصغيرة التي يحتضنها البحر مثلما تحتضن الكلبة جِراءها حديثي الولادة. ربما أعطياني كأسا من الماء والشمس كانت تغرب وراء أفق البحر، إلا أنني لا أستطيع أن أتذكر ذلك بالضبط.
حقول امللفوف الصيين يف قرية هوا وون
معبد داي هونغ البوذي يف جبل دو ريون
جزيرة جنيبيت قدمي لـ“يون دو-سوه“
مرصد ساجا بونغ
في نهاية الأرض
يعني اسم منطقة هاي نام حرفيا على "جنوب البحر"، وهو يرمز إلى بوابة الانطلاق نحو عالم جديد يقع بين نهاية الأرض وبداية البحر. وتَمُدّ هذه الأرض البحارة والمنفيين بِالطّاقة التي تجعلهم يتغلبون على المحن التي تواجههم وتجعلهم يعودون إلى ما كانوا عليه. كما أن هذه الأرض التي توجد فيها النهاية والبداية معا تُعد مصدر الإلهام لكثير من الشعراء، ومنهم الشاعر "كيم جي-ها" (١٩٤١م-حتى الآن) الذي يكافح هذا التناقض بشراسة.
وقف الشاعر "كيم جي-ها" في طليعة الكفاح من أجل الديمقراطية في السبعينيات من القرن الماضي منذ أن طرح ديوان شعره «الأعداء الخمسة» الذي ينتقد فيه الفساد والظلم بشكل إبداعي. في عام ١٩٨٤، انتقل الشاعر مع عائلته إلى منطقة هاي نام التي كان يعيش فيها أقارب أمه، وقد عانى حالة من الإرهاق جسديا ونفسيا نتيجة لدورانه في حلقة مفرغة من الهروب والاعتقال والسجن والتعذيب. استقرت حياته في منطقة هاي نام تدريجيا، إلا أنه لم يستطع أن يندمج فيها. في ذلك الوقت، وجد الشاعر في نهاية الأرض هذه، "الكائنات التي تأتي من الماضي والمستقبل ثم تصرخ وتبكي وتضرب صدورها وتشرب دموعها وتمشي مُنَكَّسة الرأس". وكل ما وجده من هذه الصورة المظلمة التّعسة الرطبة هو "آي رين"، أي "كائنا ينهض من الموت".
"أنا واقف عند نهاية الأرضعند نهاية مسدودةنهاية لا سبيل فيها للعودةقد أتحول إلى طائر ثم أصعدقد أتحول إلى سمكة ثم أختفيسواء أكان الريح أو السحاب أو الشبحعند نهاية الأرض التي لا سبيل فيها إلا التحولأنا أقف وحدي صارخا ..."من شعر «آي رين» (١٩٨٥م)
وأخير اُضطر الشاعر للانتقال من منطقة هاي نام لتلقي العلاج النفسي نظرا لتفاقم حالته النفسية.
قال الفيلسوف النمساوي لودفيغ فيتغنشتاين في السنوات الأخيرة من حياته، "وجدتُ من الألحان غير المتدينة والحزينة لفرانز شوبرت نقطة تجعل التفكير حادا". ويمكن تلخيص هذه النقطة بالقول "نريد أن نمشي. لذلك نحتاج إلى الاحتكاك. ارجعْ إلى الأرض الخشنة!". في رواية «معلمة البيانو» (١٩٨٣م) التي تحولت إلى الفيلم بالعنوان نفسه، تؤكد الكاتبة النمساوية إلفريدي يلينيك أنه يجب أن نكف عن غبائنا، أي نكف عن اعتبار الصحة معيارا للحكم لأنها دائما تقف بجانب المنتصرين. وقالت "الصحة... كم هي مقرفة! الصحة هي مجرد مجاملة تشير للوضع الراهن". أظن أن هذين النمساوييْن وجدا شيئا جديدا من الحزن الذي يوشك أن يقوض القدرة على التفكير ويتحول إلى الجنون فاكتشفا شيئا جديدا يسمح لهما بالتغلب على الكآبة . أود أن أعرفهما على الأرض الوعرة المسماة بـ"هاي نام".