في عام 2019، أصبحت التجمعات الصغيرة للأنشطة المتعلقة بهوايات معينة تنتشر في المجتمع الكوري. وقد بدأت «ثقافة الصالون» التي كانت شائعة بين الشباب، تفتح طريقا جديدا عبر الإنترنت عام 2020 في الوقت الذي أوقفت فيه جائحة فيروس كورونا المستجد معظم التجمعات الشخصية.
"لي" موظف مكتب في الثلاثينيات من عمره، يستمتع بشم رائحة النبيذ وتذوقه. وتتضاعف سعادته عندما يكون مع محبي النبيذ الآخرين.
في عام 2019، انضم "لي" إلى نادٍ صغير لعشاق النبيذ لتوسيع نطاق معرفته بالنبيذ. ويضمّ هذا النادي حوالي عشرة رجال ونساء في الثلاثينيات من العمر، ويجتمعون مساء كل يوم جمعة في منطقة ما بو، وهي منطقة تجارية سكنية على طول نهر هان في العاصمة سيول ، حيث يبدأ الأعضاء لقاءهم بمحادثة خفيفة وتبادل التحيات بعضهم مع بعض، وينتقلون إلى احتساء أنواع مختلفة من النبيذ وإجراء مناقشات حولها.
وذات مرة حلم "لي" بزيارة سويسرا للاستمتاع هناك بالنبيذ الممتاز مع الجبن اللذيذ. وعلى الرغم من أنه لم يجد الفرصة لزيارة بلاد جبال الألب في الحقيقة، فإن قضاء الوقت مع هواة النبيذ الآخرين أثبت أنه قد يكون بديلا مقبولا عن حلمه. وإلى جانب ذلك، أدت مشاركته في أنشطة النادي إلى نتائج إيجابية غير متوقعة. وكان أعضاء النادي من فئته العمرية وكان هناك توازن جيد بين الجنسين. وكان الجميع يتطلعون إلى إنهاء أسبوع عملهم للاستمتاع بالنبيذ الجيد في جو دافئ وودي. وفي ذلك الوقت، اجتاحت العالم جائحة كوفيد-19.
ويقول "لي": "لا أحد يعرف متى يمكننا أن نلتقي مرة أخرى"، و"إذا كان هذا كابوسا، فأريد أن أستيقظ بأسرع وقت ممكن".
ووسط القيود المتعلقة بالوباء المفروضة على مواصلة التفاعل الاجتماعي، تطول فترة توقف "لي" عن تذوق النبيذ، وأصبحت ذكريات النادي بعيدة باهتة. والآن في عام 2021، كل ما يمكنه فعله هو احتساء النبيذ بمفرده ومشاهدة البرامج على نتفليكس فقط. وفي بعض الأحيان، لا يفعل شيئا في منزله بعد ساعات العمل، فقط يجلس على الأريكة، وقد مرت على هذا النحو أيام مماثلة كثيرة تزيد على السنة.
ثقافة الصالون
كان نادي النبيذ من إحدى المجموعات التي تم تنظيمها حول الاهتمامات المشتركة مثل "الصالون" في عام 2019. وتتضمن ما يسمى بـ"ثقافة الصالون" نطاقا واسعا من الاهتمامات، حيث كان الأشخاص في الثلاثينيات من العمر نشطين بشكل خاص مقارنة بالفئات العمرية الأخرى. وكانت القراءة ومشاهدة الأفلام والسفر والطهي وسماع الموسيقى من بين أبرز العناصر التي تقوم عليها تلك التجمعات الاجتماعية.
وفي أبريل 2019، أجرت وكالة "إمبرين تريند مونيتور" لأبحاث السوق المحلي، استطلاعا على المستوى الوطني يشمل 1,000 شخص تتراوح أعمارهم ما بين 19 و59 عاما، بغرض التعرف على نسبة مشاركتهم في الأنشطة الاجتماعية. ومن بين المستطلعين، قال 906 أشخاص إنهم كانوا يشاركون في أنشطة التجمعات الاجتماعية المذكورة، بينما قال 26 بالمائة منهم إن نشاطهم يقتصر على " اللقاء بعدد كبير من الأشخاص غير المحددين ذوي الاهتمامات نفسها"، ويمثل أولئك الناس أقل من نصف عدد المستطلعين، علما بأن 67.6 بالمائة من إجمالي المستطلعة آراؤهم قالوا إن معظم أنشطتهم الاجتماعية تتم بشكل أساسي مع زملاء الدراسة أو زملاء العمل السابقين فقط. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن ثقافة الصالون تكتسب زخماً، حيث أكد حوالي 290 مستطلعا على ضرورة المشاركة في التجمعات الاجتماعية التي تركز على هوايات أو اهتمامات معينة.
ويعتبر السفر-إلى حد بعيد- النشاط الأكثر تفضيلاً الذي يرغب معظم الناس في الاستمتاع به. وقال 73.5 بالمائة من المستطلعين إنهم يريدون الانضمام إلى نوادي السفر، وتليها النوادي الرياضية (18.1%)، ونوادي اللغات الأجنبية (15.9%)، ونوادي التطوع (15%)، ونوادي السينما (14.3%)، ونوادي القراءة والكتابة (14.1%).
ويبدو أن هذا له علاقة بالظاهرة الاجتماعية للفردنة، ذلك أن المزيد من العلاقات الشخصية في الوقت الحاضر تدور حول الـ"أنا"، فقد أصبح الذوق الفردي والاهتمامات الشخصية من أهم الشروط في إنشاء العلاقات الشخصية مع الآخرين.
على الرغم من صعوبة نقل الدفء العاطفي الذي ينبع من العلاقات الإنسانية المباشرة إلى الاجتماعات الافتراضية فإذا نظرت إلى آراء المشاركين الذين يقولون «مثيرة للاهتمام» أو «مفيدة» يتضح أنه لا توجد عقبة كبيرة أمام الأنشطة عبر الإنترنت.
التجمعات عبر الإنترنت
غيّر فيروس كورونا المستجد الاتجاه القائم للاستمتاع بالثقافة الاجتماعية، ولكن العديد من المتحمسين يرفضون التوقف عن التواصل فيما بينهم. وقد فتحت تكنولوجيا الاتصال المرئي مجالا جديدا للعمل في عالم التباعد الاجتماعي، وأصبحت تُستخدم للقيام بأنشطة غير متعلقة بالعمل أيضا.
وأعلن أحد نوادي الكتب: "سنبقي نادينا على قيد الحياة باستخدام "زوم" وهو برنامج دردشة عبر الإنترنت".
وأطلق النادي الذي يتخذ من سيول مقراً له، هذا الإعلان لأعضائه الذين يبلغ عددهم 67 شخصا، من خلال تطبيق أُطلق عليه اسم "سو مو إيم"، والذي يعني "التجمعات الصغيرة" باللغة الكورية. وجاء ذلك في أعقاب تشديد تدابير الإغلاق بسبب كورونا في منطقة العاصمة في أواخر العام الماضي، حيث قرر النادي اللجوء إلى الفضاء الافتراضي للقاء الأعضاء وتبادل الأفكار والآراء.
كما تقوم بعض نوادي التأليف التي عادةً ما يجتمع أعضاؤها وجها لوجه لممارسة أنشطتهم الأدبية، بتنسيق أنشطة مماثلة. وبدأ نادٍ للكتابة والتأليف يقع في سيول ويضم 234 عضوًا، في تنظيم اجتماعات عبر "غوغل ميت" وعلى الرغم من عدم درايتهم بمفهوم الاجتماع عبر الفضاء الافتراضي في البداية، فإن المشاركين تكيفوا -بمرور الوقت- مع بيئتهم الجديدة، وتبادلوا القصص التي يكتبونها عبر الإنترنت بسهولة.
وتشمل منصات التجمعات الاجتماعية الأخرى لعشاق الهوايات المعينة، والتي تستند إلى الوسائل الافتراضية، "مونتو" و"مونريدانغ" و"تريفاري" و"فريب"، وتُوصف هذه المنصات بـ"الصالونات الاجتماعية".
ومن بين تلك المنصات، يعد موقع "تريفاري" منصة متخصصة للقراءة. وقد افتتح هذا الموقع عام 2015 ويضم حاليا حوالي 400 نادٍ للكتب ينتسب لها حوالي 6000 مستخدم. ويقرأ معظم الأعضاء كتابا واحدا على الأقل ويشاركون في أربعة اجتماعات شهرياً. وعلى الرغم من صعوبة نقل الدفء العاطفي الذي ينبع من العلاقات الإنسانية المباشرة، إلى الاجتماعات الافتراضية، فإذا نظرت إلى آراء المشاركين الذين يقولون "مثيرة للاهتمام" أو "مفيدة"، يتضح أنه لا توجد عقبة كبيرة أمام الأنشطة عبر الإنترنت.
أما موقع "فريب" فهو عبارة عن منصة اجتماعية لمجموعة متنوعة من الهوايات والأنشطة الترفيهية، مثل الطهي وصناعة الفخار وتسلق الجبال والأعمال اليدوية وغيرها، حيث لا يقوم أعضاء نادي الطهي بإعداد الأطباق فحسب، بل يعرضون أفضل الممارسات للحفاظ على النظافة المناسبة والوقاية من عدوى فيروس كورونا المستجد أيضا. وبالنسبة إلى الأنشطة الميدانية غير المتصلة بالإنترنت تعد أحيانا أمرا مهما من أنشطة نوادي الطهي، وتتطلب أدوات خاصة ومكونات طعام بالإضافة إلى مطبخ حقيقي. وتلتزم النوادي الرياضية مثل تلك المخصصة لتسلق الجبال والرحلات، بالحظر المفروض على التجمعات الخاصة لأكثر من أربعة أشخاص. وفي ظل هذه الظروف، تجري بعض نوادي الطهي والرياضة برامج ميدانية أو على الإنترنت حسب الوضع، حيث يتم تبادل مجموعة من مكونات الأطباق بين أعضاء نادي الطهي، بينما تتم مشاركة محتويات مرئية تحتوي على أنشطة رياضية مثل تسلق الجبال أو السباحة الطويلة، عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
تجربة خاصة
قررت المشاركة في جلسة تعليمية عبر الإنترنت بنفسي. ولم يكن لدي أية خبرة في الحياكة ولكن ذلك لم يمنعني من شراء مجموعة من المواد الخاصة بحياكة قاعدة إبريق الشاي من الكروشيه أو التريكو في موقع "فريب" المذكور. وكنت واثقا في أنني أستطيع حياكة قاعدة إبريق الشاي بسهولة من خلال مشاهدة الفيديوهات التعليمية عبر الإنترنت. ومع ذلك، سرعان ما أحسست بالإحباط، بعد مشاهدة حركات يد المدرب على الفيديو بسرعة كبيرة جدا، وكان لا يمكنني متابعتها.
وبعد صراعي مع مجموعة من الخيوط والإبر المستخدمة في الكروشيه عدة مرات، خلصت إلى أنه "من الأفضل لي شراء قاعدة إبريق شاي جاهزة في السوق، وليس إنتاجها بنفسي". ولقد أجلت أيضاً تنفيذ خطتي لتناول فنجان من القهوة مع قاعدة إبريق الشاي التي كنت أفكر بحياكتها بنفسي.
وقد يشعر بعض المبتدئين الآخرين بالإحباط مثلي، ولكن قد لا تكون العتبة عالية جدا على مَن هم ليسوا مبتدئين تماما، في الاستمتاع بهواياتهم عبر الإنترنت. وبالنسبة لي، قررت الاحتفاظ بمجموعة من أدوات الحياكة، داخل الدرج، منتظراً جلسة تعليمية للحياكة قد تُفتتح في وقت ما بعد الجائحة...