إن المنزل المشترك أصبح محط اهتمام كثير من الناس بشكل متزايد، كان المنزل المشترك أحد أشكال السكن المؤقت للطلاب الجامعيين أو الموظفين الذين يرغبون في توفير تكاليف الإسكان ويبحثون عن الدعم العاطفي. غير أن المنزل المشترك بات وسيلة لحل مشكلة زيادة عدد المسنين الذين يعيشون بمفردهم، وأخذ سوق العقارات يتأثر بهذا النمط الجديد لحياة يتم فيها مشاركة السكن مع الغرباء.
يستمتع الأشخاص الذين يسكنون في منزلمشترك يقع في منطقة دابسيب-ري فيدونغدايمون-غو بسيول بوقت الراحة، علمابأن هذا المنزل المشترك تديره شركة "أوزو" المتخصصة في المنازل المشتركة، وتمتصميمه بتخصيص أماكن شخصية وأخرىمشتركة.
"أنا مرتاح للعيش في هذا المنزل المشترك، ذلك أنه عندما أعود إلى المنزل أجد شخصا يرحب بقدومي في أي وقت وكأنه أحد أفراد أسرتي، وأتمتع بعلاقة طيبة مع ساكني المنزل".
أبدى "كيم" وهو موظف في العَقْد الثاني من عمره، والذي بدأ العيش في سيول قبل عامين، ارتياحه البالغ للعيش في منزل مشترك. ولما سألته عن رأيه في نمط عيشه، أشار إلى العديد من الجوانب الإيجابية للمنزل المشترك.
وقال إنني "أخرج أحيانا مع بعض ساكني المنزل لشرب البيرة أو مشاهدة فيلم. ويمكن أن أبقى داخل غرفتي وأستمتع بوقت الراحة بمفردي، ويمكن كذلك أن أتواصل مع الآخرين في غرفة الجلوس أو المطبخ اللذيْن يعتبران من الأماكن المشتركة في المنزل، الأمر الذي يُوَفِّر لي شعورا بالاستقرار العاطفي والراحة النفسية".
ووفقا للتقرير "التوقعات المستقبلية للمنازل خلال الفترة من عام 2015 حتى عام 2045"، الذي صدر عن المكتب الوطني للإحصاء، فإن عدد الأسر التي تتكون من شخص واحد، بلغ 5.3 مليون أسرة في عام 2016، وهذا يمثل نحو 28% من إجمالي الأسر الكورية، وذلك بزيادة نحو 1.5 مرة مقارنة بما كان عليه الحال عام 2006 (نحو 3.38 مليون أسرة). وتوقع أحد الباحثين في معهد التأمين أن تزداد نسبة الأسر المذكورة إلى 36.3% من إجمالي الأسر بحلول عام 2045.
ومع زيادة نسبة الأسر التي تتكون من شخص واحد، يشهد المجتمع الكوري ظاهرة جديدة، تتمثل في أن يشرب المواطن المشروبات الكحولية وحده أو يتناول الطعام بمفرده، وتعبيرا عن هذه الظاهرة ظهر نمط جديد للسكن يناسب مثل هذه الأسر، وأخذت الشقق والمنازل الصغيرة الحجم تستقطب أنظار الناس في السنوات الأخيرة.
ويمكن لساكني المنزل المشترك تقاسم التكاليف الخاصة بالفواتير ونفقات المعيشة، مما يخفف من العبء الاقتصادي اليومي للأسر ذات الفرد الواحد، فإذا تمت تلبية شروط معينة للعيش في المنزل المشترك، يمكن الاستفادة من كل هذه المزايا.
وفي المنزل المشترك، ثمة غرفة واحدة لكل شخص عادة، ولكن ساكني المنزل المشترك يتقاسمون غرفة المعيشة والمطبخ، وفي بعض الحالات يتقاسم شخصان غرفة واحدة، مع استخدام سِتارة مُعلَّقة بين سريريهما بغرض حماية الخصوصية. وبخلاف ما يجري في المنازل الأخرى التي يقوم أصحابها بتأجير بعض الغرف المحددة فيها، فإن على كل شخص يسكن في المنزل المشترك الالتزام بشؤون المنزل، مثل الالتزام بقواعد المنزل والصيانة.
إيجابيات المنزل المشترك وسلبياته
يعيش عامل المكتب وهو في العقد الثالث من العمر واسمه أيضا "كيم"، في منزل مشترك مع سبعة رجال في المنزل الذي يقيم فيه، في حي اتايوان بالعاصمة سيول. وقال إنه لا يشعر بالوَحْدَة أبدا منذ أن قرر العيش هنا. ويعود الفضل في ذلك إلى أنه يكون مع الآخرين دائما، وهذا يساعد في الحفاظ على صحته النفسية والمعنوية.
وأضاف أنهم أصبحوا أصدقاء حتى أنهم أخذوا يفتحون قلوبهم لبعضهم بعضا، قائلا إن هناك من يتساءل عما إذا كان العيش مع الرجال فقط مملا، ولكنه تبيّن له أن طريقة العيش هذه أفضل مما كان يتوقع، ويتطلع إلى ما سيحدث في المستقبل أثناء عيشه في المنزل المشترك. وحسب قوله، فإن العيش مع الأشخاص الذي يمتلكون تجارب مختلفة وخبرات متعددة يتيح فرصة له للتعرف على أشياء جديدة.
وقال إن الطلاب الجامعيين الذين يعيشون معا في منزل مشترك في سانغدو دونغ في دونغجاك-غو بسيول يشعرون بالسعادة حين يتبادلون التحية قبل خروجهم من المنزل وعند العودة إليه. وقالوا إنهم يشعرون بالطمأنينة بأن هناك شخصا يمكن التحدث معه في المنزل وكأنه فرد من أفراد الأسرة.
ومع ذلك، يصاحب العيش في المنزل المشترك جوانب سلبية أيضا. حقيقة إنه لأمر جيد أن يعيش المرء مع الأشخاص الذين يقاسمونه طريقة التفكير، ولكن قد يكون العيش في المنزل المشترك غير مريح في حالة وجود الآخرين الذين يعيشون بأنماط حياة أو أفكار مختلفة تماما، وقد لا يشعر بعض الأشخاص بالضيق إذا لمس الآخرون أشياءهم وحاجاتهم الشخصية، بينما قد يُزْعج هذا آخرين ويُغْضبهم.
الآنسة "كانغ" في العشرينيات من عمرها وتعيش في منزل مشترك في منطقة شينتشون في سيول تقول إن من أكبر المشاكل التي تواجهها أثناء العيش في المنزل المشترك، التعب النفسي، فهي على سبيل المثال تشعر بالضغط النفسي عندما تجد شيئا مفقودا في الثلاجة المشتركة، أو أن أحد الساكنين لم يلتزم بواجباته مثل التنظيف.
ويعقد المستأجرون في منزل مشترك يقع في منطقة سونغسو في سيول كل شهر اجتماعا بغرض منع النزاعات غير الضرورية وتعزيز التفاهم، فبعد كل اجتماع يفتحون قلوبهم لبعضهم بعضا مع تناول واجبات خفيفة ومشروبات، وأحيانا يقيمون حفلة لجمع الأموال من كل منهم.
سوق جديد في قطاع العقارات
في الوقت الذي تعتبر فيه المنازل المشتركة واحدا من قطاع الأعمال الواعدة، ظهرت شركات جديدة خاصة بجمع المستأجرين المحتملين للمنازل المشتركة وإدارتها، فمنذ نهاية عام 2012، لقي المنزل المشترك اهتماما من عامة الناس في كوريا الجنوبية لكونه جزءا مما بات يُعْرف بـ"الاقتصاد التقاسمي". وفي ذلك الوقت، كان قد تم إنشاء شركة "أو زو" التي تعمل في قطاع المنازل المشتركة، وتدير الشركة 52 فرعا في 13 منطقة داخل سيول.
ووفقا للبيانات الصادرة عن الشركة المذكورة، فإن عدد المستأجرين الذين سكنوا في منازل مشتركة عن طريق هذه الشركة يزيد عن 300 شخص حتى الآن، فيما يبلغ عدد مقدمي طلب العيش في المنازل المشتركة نحو 7,000 شخص، وهذا يعكس الاهتمام المتزايد بالمنازل المشتركة. وتسجل نسبة إعادة العقد للإيجار 75% بفضل المستوى العالي من رضا المستأجرين. وقال رجل في العقد الثالث من عمره ويعمل في قطاع الخدمات إنه يعيش في منزل مشترك تديره هذه الشركة منذ أكثر من عامين، مضيفا أنه يريد أن يستمر في العيش في هذا المنزل إلا إذا تم طرده.
إن خيارات الناس وأذواقهم في السكن تختلف من شخص لآخر، ولذلك تسعى الشركات الخاصة بالمنازل المشتركة إلى تنويع التصاميم الداخلية للمنازل لتشمل نمط السكن الكوري التقليدي والنمط الأوروبي وغيرهما، من أجل تلبية مختلف متطلبات وأذواق الناس. وفي هذه الأيام، هناك العديد من الشقق الجديدة التي تم تصميمها بغرض استخدامها كمنازل مشتركة.
إن تفضيلات الناس في السكن تختلف من شخص إلى آخر. ولذلك، تسعى الشركات الخاصة بالمنازل المشتركة إلى تنويع التصاميم الداخلية للمنازل لتشمل نمط السكن الكوري التقليدي والنمط الأوروبي وغيرهما، من أجل تلبية مختلف متطلبات وأذواق الناس. وجدير بالذكر أن المنزل المشترك الذي تم تصميمه على الطريقة الكورية يحظى بشعبية كبيرة بين المقيمين الأجانب.
وفي هذه الأيام، هناك العديد من الشقق الجديدة التي تم تصميمها بغرض استخدامها كمنازل مشتركة، وفي وقت تتجه فيه أنظار كثير من الناس إلى هذه الشقق لكونها توفّر الكثير من الراحة من حيث الإدارة والصيانة والتواصل بين الساكنين فيها.
وقال خبير في قطاع العقارات إن المنزل المشترك يلبي متطلبات كل من المستأجرين الذين يرغبون في رفع مستوى المعيشة بدفع مبلغ إيجار شقة استوديو فقط، وأصحاب المنازل الذين يفضلون الإيجار الشهري، متوقعا أن يستمر الاتجاه الصاعد للمنازل المشتركة في سوق العقارات.
يسعى مستأجرو المنزل المشترك إلى تفادي وقوع أي إزعاجفي حياتهم اليومية عن طريق تقاسم جداول أعمالهم على لوحةالإعلانات.
المنزل المشترك كبديل للرعاية الاجتماعية
لعله من الخطأ أن نحصر فائدة المنازل المشتركة في العوائد الاقتصادية والمردود المادي باعتبارها وسيلة لجني الأرباح، ذلك لأن الحكومات المحلية تعمل على الاستفادة من هذه المنازل في إطار تنفيذ برامج الرعاية الاجتماعية، فعلى سبيل المثال، تقوم محافظة كيونغكي بتوفير 70 منزلا مشتركا لطلاب الجامعات والعمال الذين يعملون في المناطق الصناعية بغرض مساعدتهم على توفير تكاليف السكن بشكل تجريبي. وتدير شركة كوريا للإسكان والضمان التابعة لوزارة الأراضي والبنية التحتية والنقل، منزلا مشتركا يُدْعى "منزل هوغ HUG المشترك"، للطلاب الجامعيين الذين يبحثون عن فرص عمل. وقد تم اختيار الدفعة الأولى من الساكنين في منزل هوغ المشترك الذي يقع في منطقة سونغ دونغ-غو في سيول، حيث يعيش 20 شخصا هناك.
ومن بين أكبر المزايا التي تقدمها المنازل المشتركة التابعة للحكومات المحلية أو المؤسسات العامة، بدل الإيجار المنخفض نسبيا مقارنة بالقيمة السوقية للمنازل المماثلة، إذ لا تزيد بدلات الإيجار للمنازل المشتركة التي تديرها محافظة كيونغكي عن مستوى ما بين 30-50% من متوسط الإيجار للمنازل الأخرى، ويمكن استئجار غرفة من منزل HUG المشترك بدفع 60% من الإيجار في المنازل المجاورة. وبالإضافة إلى ذلك، يقدم هذا المنزل المشترك خدمات متنوعة للمستأجرين، ومنها خدمة استشارية حول التوظيف وإجراء برامج خاصة بتقوية مؤهلات الباحثين عن العمل وغيرها.
وهناك أيضا نوع آخر من المنازل المشتركة التي لا يتم تصميمها لتقاسم السكن فحسب، بل لتعزيز التواصل بين الأجيال أيضا. ومن بين الأمثلة على ذلك، برنامج "أجيال تحت سقف واحد"، الذي تديره بلدية سيول، وهو مشروع يهدف إلى حل قضية الشيخوخة ومشكلة الإسكان التي تواجه الشباب. وفي إطار هذا البرنامج، يقوم أصحاب المنازل المسنين بتأجير غرفهم الزائدة عن الحاجة للطلاب الذين يدرسون في الجامعات أو الكليات العليا، بأسعار منخفضة، مما يشكل خبرا سارا للشباب الذين يصعب عليهم تدبير الضمان المالي ويرغبون في العيش بالقرب من جامعاتهم، وبالنسبة لكبار السن، فهذا يعني أنه يمكن أن يعيش مع الآخرين في نفس المنزل كل يوم.
يتناول ساكنو المنزل المشترك وجبة معا، لقد أصبح المنزلالمشترك نمطا جديدا للسكن يساهم في توفير تكاليف الإسكانوتعزيز الصداقة.